تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٦ - الصفحة ١٤٩
عليم) في الآية تصريح بما تلوح إليه الآية السابقة، والقدر التضييق ويقابله البسط والمراد به لازم معناه وهو التوسعة، ووضع الظاهر موضع المضمر في قوله: (ان الله بكل شئ عليم) للدلالة على تعليل الحكم، والمعنى: وهو بكل شئ عليم لأنه الله.
والمعنى: الله يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويضيقه على من يشاء - ولا يشاء الا على طبق المصلحة - لأنه بكل شئ عليم لأنه الله الذي هو الذات المستجمع لجميع صفات الكمال.
قوله تعالى: (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها - إلى قوله - لا يعقلون) المراد باحياء الأرض بعد موتها انبات النبات في الربيع.
وقوله: (قل الحمد لله) أي أحمد الله على تمام الحجة عليهم باعترافهم بأن الله هو المدبر لأمر خلقه فلزمهم أن يعبدوه دون غيره من الأصنام وأرباب الأصنام.
وقوله: (بل أكثرهم لا يعقلون) أي لا يتدبرون الآيات ولا يحكمون العقول حتى يعرفوا الله ويميزوا الحق من الباطل فهم لا يعقلون حق التعقل.
قوله تعالى: (وما هذه الحياة الدنيا الا لهو ولعب وان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) اللهو ما يلهيك ويشغلك عما يهمك فالحياة الدنيا من اللهو لأنها تلهى الانسان وتشغله بزينتها المزوقة الفانية عن الحياة الخالدة الباقية.
واللعب فعل أو أفعال منتظمة انتظاما خياليا لغاية خيالية كملاعب الصبيان والحياة الدنيا لعب لأنها فانية سريعة البطلان كلعب الصبيان يجتمعون عليه ويتولعون به ساعة ثم يتفرقون وسرعان ما يتفرقون.
على أن عامة المقاصد التي يتنافس فيها المتنافسون ويتكالب عليه الظالمون أمور وهمية سرابية كالأموال والأزواج والبنين وأنواع التقدم والتصدر والرئاسة والمولوية والخدم والأنصار وغيرها فالانسان لا يملك شيئا منها الا في ظرف الوهم والخيال.
وأما الحياة الآخرة التي يعيش فيها الانسان بكماله الواقعي الذي اكتسبه بايمانه وعمله الصالح فهي المهمة التي لا لهو في الاشتغال بها والجد الذي لا لعب فيها ولا لغو ولا تأثيم، والبقاء الذي لا فناء معه، واللذة التي لا ألم عندها، والسعادة التي لا شقاء دونها، فهي الحياة بحقيقة معنى الكلمة.
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست