فأولئك يوفون أجرهم، والدليل على ذلك قوله: " بعده ولا يظلمون شيئا " فإنه من لوازم توفية الاجر لا من لوازم دخول الجنة.
قوله تعالى: " جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا " العدن الإقامة ففي تسميتها به إشارة إلى خلودها لداخليها والوعد بالغيب هو الوعد بما ليس تحت إدراك الموعود له، وكون الوعد مأتيا عدم تخلفه، قال في المجمع:
والمفعول هنا بمعنى الفاعل لان ما أتيته فقد أتاك وما أتاك فقد أتيته يقال: أتيت خمسين سنة وأتت علي خمسون سنة، وقيل: إن الموعود الجنة والجنة يأتيها المؤمنون انتهى.
قوله تعالى: " لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " عدم سمع اللغو من أخص صفات الجنة وقد ذكره الله سبحانه وامتن به في مواضع من كلامه وسنفصل القول فيه إن شاء الله في موضع يناسبه، واستثناء السلام منه استثناء منفصل، والسلام قريب المعنى من الامن - وقد تقدم الفرق بينهما - فقولك: أنت مني في أمن معناه لا تلقى مني ما يسؤك وقولك: سلام مني عليك معناه كل ما تلقاه مني لا يسؤك. وإنما يسمعون السلام من الملائكة ومن رفقائهم في الجنة، قال تعالى حكاية عن الملائكة: " سلام عليكم طبتم " الزمر: 73، وقال: " فسلام لك من أصحاب اليمين " الواقعة: 91.
وقوله: " ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا " الظاهر أن إتيان الرزق بكرة وعشيا كناية عن تواليه من غير انقطاع.
قوله تعالى: " تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا " الإرث والوراثة هو أن ينتقل مال أو ما يشبهه من شخص إلى آخر بعد ترك الأول له بموت أو جلاء أو نحوهما، وإذ كانت الجنة في معرض العطاء لكل إنسان بحسب الوعد الإلهي المشروط بالايمان والعمل الصالح فاختصاص المتقين بها بعد حرمان غيرهم عنها بإضاعة الصلاة واتباع الشهوات وراثة المتقين، ونظير هذه العناية ما في قوله تعالى: " أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " الأنبياء: 105، وقوله: " وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " الزمر: 74، والآية - كما ترى - جمعت بين الايراث والاجر.