فهذه مواعد أربع بتخصيص نوع الانسان بنعمة النبوة وموهبة السعادة، وقد أشير إليها في الآية المبحوث عنها بقوله: " من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل، وقد ذكر في القصص السابقة من كل من الذراري الأربع كإدريس من ذرية آدم، وإبراهيم من ذرية من حمل مع نوح، وإسحاق ويعقوب من ذرية إبراهيم، وزكريا ويحيى وعيسى وموسى وهارون وإسماعيل - على ما استظهرنا - من ذرية إسرائيل.
وقوله: " وممن هدينا واجتبينا " معطوف على قوله: " من النبيين " وهؤلاء غير النبيين من الذين أنعم الله عليهم فإن هذه النعمة غير خاصة بالنبيين ولا منحصرة فيهم بدليل قوله تعالى: " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " النساء: 69 وقد ذكر الله سبحانه بين من قص قصته مريم عليها السلام معتنيا بها إذ قال: " واذكر في الكتاب مريم " وليست من النبيين فالمراد بقوله: " وممن هدينا واجتبينا " غير النبيين من الصديقين والشهداء والصالحين لا محالة، وكانت مريم من الصديقين لقوله تعالى:
" ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة " المائدة: 75.
ومما تقدم من مقتضى السياق يظهر فساد قول من جعل " وممن هدينا واجتبينا معطوفا على قوله: " من النبيين " مع أخذ من للبيان، وأورد عليه بعضهم أيضا بأن ظاهر العطف المغايرة فيحتاج إلى أن يقال: المراد ممن جمعنا له بين النبوة والهداية والاجتباء للكرامة وهو خلاف الظاهر. وفيه منع كون ظاهر العطف المغايرة مصداقا وإنما هو المغايرة في الجملة ولو بحسب الوصف والبيان.
ونظيره قول من قال بكونه معطوفا على قوله: " من ذرية آدم " ومن للتبعيض وقد اتضح وجه فساده مما قدمناه.
ونظيره قول من قال: إن قوله: " وممن هدينا " استئناف من غير عطف فقد تم الكلام عند قوله: إسرائيل " ثم ابتدأ فقال: وممن هدينا واجتبينا من الأمم قوم إذا تتلى عليهم آيات الرحمان خروا سجدا وبكيا فحذف المبتدأ لدلالة الكلام عليه، والوجه منسوب إلى أبي مسلم المفسر.