مدين " والورد الماء المرشح للورود، والورد خلاف الصدر، والورد يوم الحمى إذا وردت، واستعمل في النار على سبيل الفظاعة قال تعالى: " فأوردهم النار " وبئس الورد المورود " إلى جهنم وردا " " أنتم لها واردون " ما وردوها " والوارد الذي يتقدم القوم فيسقى لهم قال تعالى: " فأرسلوا واردهم " أي ساقيهم من الماء المورود انتهى موضع الحاجة.
وإلى ذلك استند من قال من المفسرين أن الناس إنما يحضرون النار ويشرفون عليها من غير أن يدخلوها واستدلوا عليه بقوله تعالى: " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون " القصص: 23، وقوله: " فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه " يوسف: 19 وقوله: " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها " الأنبياء: 102.
وفيه أن استعماله في مثل قوله: " فلما ورد ماء مدين " وقوله: " فأرسلوا واردهم " في الحضور بعلاقة الاشراف لا ينافي استعماله في الدخول على نحو الحقيقة كما ادعى في آيات أخرى، وأما قوله: " أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها " فمن الجائز أن يكون الابعاد بعد الدخول كما يستظهر من قوله: " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها "، وأن يحجب الله بينهم وبين أن يسمعوا حسيسها إكراما لهم كما حجب بين إبراهيم وبين حرارة النار، إذ قال للنار: كونى بردا وسلاما على إبراهيم.
وقال آخرون ولعلهم أكثر المفسرين بدلالة الآية على دخولهم النار استنادا إلى مثل قوله تعالى: " إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها " الأنبياء - 99 وقوله في فرعون يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار: هود: 98، ويدل عليه قوله في الآية التالية: " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " أي نتركهم باركين على ركبهم وإنما يقال نذر ونترك فيما إذا كان داخلا مستقرا في المحل قبل الترك ثم أبقي على ما هو عليه ولعدة من الروايات الواردة في تفسير الآية.
وهؤلاء بين من يقول بدخول عامة الناس فيها ومن يقول بدخول غير المتقين