تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٧٧
وفيه أنه تقدير من غير دليل. على أن في ذلك إفساد غرض على ما يشهد به السياق إذ الغرض منها بيان طريقة أولئك العباد المنعم عليهم وأنهم كانوا خاضعين لله خاشعين له وأن أخلافهم أعرضوا عن طريقتهم وأضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات وهذا لا يتأتى إلا بكون قوله: " إذا تتلى عليهم " الخ خبرا لقوله: " أولئك الذين أنعم الله عليهم " وأخذ قوله: " وممن هدينا " إلى آخر الآية استئنافا مقطوعا عما قبله افساد للغرض المذكور من رأس.
وقوله: " إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا " السجد جمع ساجد والبكي على فعول جمع باكي والجملة خبر للذين في صدر الآية ويحتمل أن يكون الخرور سجدا وبكيا كناية عن كمال الخضوع والخشوع فإن السجدة ممثل لكمال الخضوع والبكاء لكمال الخشوع والأنسب على هذا أن يكون المراد بالآيات وتلاوتها ذكر مطلق ما يحكي شأنا من شؤنه تعالى.
وأما قول القائل إن المراد بتلاوة الآيات قراءة الكتب السماوية مطلقا أو خصوص ما يشتمل على عذاب الكفار والمجرمين، أو أن المراد بالسجود الصلاة أو سجدة التلاوة أو أن المراد بالبكاء البكاء عند استماع الآيات أو تلاوتها فكما ترى.
فمعنى الآية - والله أعلم - أولئك المنعم عليهم الذين بعضهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وبعضهم من أهل الهداية والاجتباء خاضعون للرحمان خاشعون إذا ذكر عندهم وتليت آياته عليهم.
ولم يقل: كانوا إذا تتلى عليهم " الخ " لان العناية في المقام متعلقة ببيان حال النوع من غير نظر إلى ماضي الزمان ومستقبله بل بتقسيمه إلى سلف صالح وخلف طالح وثالث تاب وآمن وعمل صالحا وهو ظاهر.
قوله تعالى: " فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا " قالوا: الخلف بسكون اللام البدل السيئ وبفتح اللام ضده وربما يعكس على ندرة، وضياع الشئ، فساده أو افتقاده بسبب ما كان ينبغي أن يتسلط عليه يقال:
أضاع المال إذا أفسده بسوء تدبيره أو أخرجه من يده بصرفه فيما لا ينبغي صرفه فيه، والغى خلاف الرشد وهو إصابة الواقع وهو قريب المعنى من الضلال خلاف الهدى
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست