تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٧٢
بعلم شيث بن آدم وهو جد جد أبيه لان إدريس ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث. قال الشهرستاني: إن أغثاذيمون هو شيث.
ولما كبر إدريس آتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث فأطاعه أقلهم وخالفه جلهم فنوى الرحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل من أوطانهم فقالوا له: وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل؟ وبابل بالسريانية النهر وكأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال: إذا هاجرنا لله رزقنا غيره.
فخرج وخرجوا وساروا إلى أن وافوا هذا الإقليم الذي سمى بابليون فرأوا النيل ورأوا واديا خاليا من ساكن فوقف إدريس على النيل وسبح الله وقال لجماعته:
بابليون، وأختلف في تفسيره فقيل: نهر كبير، وقيل: نهر كنهركم، وقيل: نهر مبارك، وقيل: إن يون في السريانية مثل أفعل التي للمبالغة في كلام العرب وكأن معناه نهر أكبر فسمي الإقليم عند جميع الأمم بابليون، وسائر فرق الأمم على ذلك إلا العرب فإنهم يسمونه إقليم مصر نسبة إلى مصر بن حام النازل به بعد الطوفان والله أعلم بكل ذلك.
وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الخلائق إلى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الله عز وجل، وتكلم الناس في أيامه باثنين وسبعين لسانا، وعلمه الله عز وجل منطقهم ليعلم كل فرقة منهم بلسانها، ورسم لهم تمدين المدن، وجمع له طالبي العلم بكل مدينة فعرفهم السياسية المدنية وقرر لهم قواعدها فبنت كل فرقة من الأمم مدنا في أرضها، وكانت عدة المدن التي أنشئت في زمانه مائة مدينة وثماني وثمانين مدينة أصغرها الرها وعلمهم العلوم.
وهو أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم فإن الله عز وجل أفهمه سر الفلك وتركيبه ونقط اجتماع الكواكب فيه وأفهمه عدد السنين والحساب ولولا ذلك لم تصل الخواطر باستقرائها إلى ذلك.
وأقام للأمم سننا في كل إقليم تليق كل سنة بأهلها، وقسم الأرض أربعة أرباع وجعل على كل ربع ملكا يسوس أمر المعمور من ذلك الربع، وتقدم إلى كل ملك بأن يلزم أهل كل ربع بشريعة سأذكر بعضها، وأسماء الأربعة الملوك الذين ملكوا: الأول
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»
الفهرست