تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٦٧
متنحيا إلى كهف في جبل شاهق يعبد الله فيه ويصوم النهار ويأتيه ملك بطعام يفطر به عند كل مساء.
وأنفذ الله في الملك وامرأته ومدينته ما أوحاه إلى إدريس وظهر في المدينة جبار آخر عاص، وأمسكت السماء عنهم أمطارها عشرين سنة حتى جهدوا واشتدت حالهم فلما بلغ بهم الجهد ذكر بعضهم لبعض أن الذي لقوه من الجهد والمشقة إنما هو لدعاء إدريس عليهم أن لا يمطروا حتى يسألوه وخروجه من بينهم وهم لا يعلمون أين هو؟
فالرأي أن يرجعوا ويتوبوا إلى الله ويسألوه المطر فهو أرحم بهم منه فاجتمعوا على الدعاء والتضرع.
فأوحى الله إلى إدريس أن القوم عجوا إلى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع وقد رحمتهم وما يمنعني من إمطارهم إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألني فاسألني حتى أغيثهم، قال إدريس: اللهم إني لا أسألك.
فأوحى الله إلى الملك الذي كان يأتيه بالطعام أن يمسك عنه فأمسك عنه ثلاثة أيام حتى بلغ به الجوع فنادى: اللهم حبست عنى رزقي من قبل ان تقبض روحي فأوحى الله إليه يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولم تجزع من جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ثم سألتك أن تسألني أن أمطر عليهم فبخلت ولم تسأل فأدبتك بالجوع فاهبط من موضعك واطلب المعاش لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلتك.
فهبط إدريس إلى قرية هناك ونظر إلى بيت يصعد منه دخان فهجم عليه وإذا عجوز كبيرة ترفق قرصتين لها على مقلاة فسألها أن تطعمه فقد بلغ به جهد الجوع فقالت: يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلا نطعمه أحدا - وحلفت أنها لا تملك غيره شيئا - فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية، فقال لها: أطعميني ما أمسك به روحي وتقوم به رجلي حتى أطلب، قالت: إنهما قرصتان واحدة لي والاخرى لابني فإن أطعمتك قوتي مت وإن أطعمتك قوت ابني مات وليس ههنا فضل قال: إن ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فأطعمي كلا منا نصفا يكون لنا بلغة فرضيت وفعلت.
(٦٧)
مفاتيح البحث: التوبة (1)، الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»
الفهرست