تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٦١
في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الخ، الممتحنة: 8.
ومما قيل في توجيه استغفاره لأبيه وهو مشرك أنه وعده الاستغفار واستغفر له بمقتضى العقل فإن العقل لا يأبى عن تجويزه وإنما منع منه النقل ولم يثبت يومئذ المنع عنه شرعا ثم لما حرم ذلك في شرعه تبرأ منه.
وفيه: أنه لا ينطبق على آيات القصة كما يظهر بالتأمل فيما قدمناه.
ومنها: أن معنى استغفاره كان مشروطا بتوبته وإيمانه. وهو كما ترى.
ومنها: أن معنى " سأستغفر لك ربي " سأدعو الله أن لا يعذبك في الدنيا. وهو كسابقه تقييد من غير مقيد.
ومنها: أنه وعد الدعاء بالمسبب وهو بالاستلزام وعد للدعاء بالسبب فمعنى سأسأل الله أن يغفر لك، سأسأله أن يوفقك للتوبة ويهديك للايمان فيغفر لك، ويمكن أن يجعل طلب المغفرة كناية عن طلب توفيق التوبة والهداية إلى الايمان.
وهذا وإن كان أعدل الوجوه لكنه لا يخلو عن بعد لان في الكلام استعطافا وهو بطلب المغفرة أنسب منه بطلب التوفيق والهداية تأمل فيه.
ونظير دعائه لأبيه دعاؤه لعامة المشركين في قوله: " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه منى ومن عصاني فإنك غفور رحيم " إبراهيم: 36.
قوله تعالى: " وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا " وعد باعتزالهم والابتعاد منهم ومن أصنامهم ليخلو بربه ويخلص الدعاء له رجاء أن لا يكون بسبب دعائه شقيا و إنما أخذ بالرجاء لان هذه الأسباب من الدعاء والتوجه إلى الله ونحوه ليست بأسباب موجبة عليه تعالى شيئا بل الاثابة والاسعاد ونحوه بمجرد التفضل منه تعالى. على أن الأمور بخواتمها ولا يعلم الغيب إلا الله فعلى المؤمن أن يسير بين الخوف والرجاء.
قوله تعالى: " فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب " إلى آخر الآيتين. لعل الاقتصار على ذكر إسحاق لتعلق الغرض بذكر توالي النبوة
(٦١)
مفاتيح البحث: المنع (1)، الخوف (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست