تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٥٠
أي ما أسمعهم وأبصرهم بالحق يوم يأتوننا ويرجعون إلينا وهو يوم القيامة فيتبين لهم وجه الحق فيما اختلفوا فيه كما حكى اعترافهم به في قوله: " ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " ألم السجدة: 12.
وأما الاستدراك الذي في قوله: " لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين " فهو لدفع توهم أنهم إذا سمعوا وأبصروا يوم القيامة وانكشف لهم الحق سيهتدون فيسعدون بحصول المعرفة واليقين فاستدرك أنهم لا ينتفعون بذلك ولا يهتدون بل الظالمون اليوم في ضلال مبين لظلمهم.
وذلك أن اليوم يوم جزاء لا يوم عمل فلا يواجهون اليوم إلا ما قدموه من العمل وأثره وما اكتسبوه في أمسهم ليومهم وأما أن يستأنفوا يوم القيامة عملا يتوقعون جزاءه غدا فليس لليوم غد، وبعبارة أخرى هؤلاء قد رسخت فيهم ملكة الضلال في الدنيا وانقطعوا عن موطن الاختيار بحلول الموت فليس لهم إلا أن يعيشوا مضطرين على ما هيأوا لأنفسهم من الضلال لا معدل عنه فلا ينفعهم انكشاف الحق وظهور الحقيقة.
وذكر بعضهم أن المراد بالآية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يسمع القوم ويبصرهم ببيان أنهم يوم يحضرون للحساب والجزاء سيكونون في ضلال مبين. وهو وجه سخيف لا ينطبق على الآية البتة.
قوله تعالى: " وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون " ظاهر السياق أن قوله: " إذ قضى الامر " بيان لقوله: " يوم الحسرة " ففيه إشارة إلى أن الحسرة إنما تأتيهم من ناحية قضاء الامر والقضاء إنما يوجب الحسرة إذا كان بحيث يفوت به عن المقضي عليه ما فيه قرة عينه وأمنية نفسه ومخ سعادته الذي كان يقدر حصوله لنفسه ولا يرى طيبا للعيش دونه لتعلق قلبه به وتولهه فيه، ومعلوم أن الانسان لا يرضى لفوت ما هذا شأنه وإن احتمل في سبيل حفظه أي مكروه إلا أن يصرفه عنه الغفلة فيفرط في جنبه ولذلك عقب الكلام بقوله: " وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ".
فالمعنى - والله أعلم وخوفهم يوما يقضى فيه الامر فيتحتم عليهم الهلاك الدائم
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست