السوي بجهالة بل اتبعني أهدك صراطا سويا فإني لذو علم بهذا الشأن.
وفي قوله: " قد جاءني من العلم " دليل على أنه أوتى العلم بالحق قبل دعوته ومحاجته هذه وفيه تصديق ما قدمناه في قصته عليه السلام من سورة الأنعام أنه أوتي العلم بالله ومشاهدة ملكوت السماوات والأرض قبل أن يلقى أباه وقومه ويحاجهم.
والمراد بالهداية في قوله: " أهدك صراطا سويا " الهداية بمعنى إراءة الطريق دون الايصال إلى المطلوب فإنه شأن الامام ولم يجعل إماما بعد، وقد فصلنا القول في هذا المعنى في تفسير قوله تعالى: " قال إني جاعلك للناس إماما " البقرة: 134.
قوله تعالى: " يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمان عصيا " إلى آخر الآيتين الوثنيون يرون وجود الجن - وإبليس من الجن - ويعبدون أصنامهم كما يعبدون أصنام الملائكة والقديسين من البشر، غير أنه ليس المراد بالنهي النهى عن العبادة بهذا المعنى إذ لا موجب لتخصيص الجن من بين معبوديهم بالنهي عن عبادتهم بل المراد بالعبادة الطاعة كما في قوله تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان " الآية: يس: 60، فالنهي عن عبادة الشيطان نهي عن طاعته فيما يأمر به ومما يأمر به عبادة غير الله.
لما دعاه إلى اتباعه ليهديه إلى صراط سوي أراد أن يحرضه على الاتباع بقلعه عما هو عليه فنبهه على أن عبادة الأصنام ليست مجرد لغو لا يضر ولا ينفع بل هي في معرض أن تورد صاحبها مورد الهلاك وتدخله تحت ولاية الشيطان التي لا مطمع بعدها في صلاح وفلاح ولا رجاء لسلامة وسعادة.
وذلك أن عبادتها - والمستحق للعبادة هو الله سبحانه لكونه رحمانا تنتهي إليه كل رحمة - والتقرب إليها إنما هي من الشيطان وتسويله، والشيطان عصي للرحمان لا يأمر بشئ فيه رضاه وإنما يوسوس بما فيه معصيته المؤدية إلى عذابه وسخطه والعكوف على معصيته وخاصة في أخص حقوقه وهي عبادته وحده فيه مخافه أن ينقطع عن العاصي رحمته وهي الهداية إلى السعادة وينزل عليه عذاب الخذلان فلا يتولى الله أمره فيكون الشيطان هو مولاه وهو ولي الشيطان وهو الهلاك.
فمعنى الآيتين - والله أعلم - يا أبت لا تطع الشيطان فيما يأمرك به من عبادة