تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٥٩
الأصنام لان الشيطان عصى مقيم على معصية الله الذي هو مصدر كل رحمة ونعمة فهو لا يأمر إلا بما فيه معصيته والحرمان عن رحمته، وإنما أنهاك عن معصيته في طاعة الشيطان لأني أخاف يا أبت أن يأخذك شئ من عذاب خذلانه وينقطع عنك رحمته فلا يبقى لتولي أمرك إلا الشيطان فتكون وليا للشيطان والشيطان مولاك.
وقد ظهر مما تقدم:
أولا: أن المراد بالعبادة في قوله: " لا تعبد الشيطان " عبادة الطاعة، ولوصف الشيطان - ومعناه الشرير - دخل في الحكم.
وثانيا: وجه تبديل اسم الجلالة من وصف الرحمان في موضعين فإن لوصف الرحمة المطلقة دخلا في الحكمين فإن كونه تعالى مصدرا لكل رحمة ونعمة هو الموجب لقبح الاصرار على معصيته والمصحح للنهي عن طاعة من يقيم على عصيانه، وكذا مصدريته لكل رحمة هو الباعث على الخوف من عذابه الذي يلازم إمساك الرحمة وغشيان النقمة والشقوة.
وثالثا: أن المراد بالعذاب هو الخذلان، أو ما هو بمعناه كإمساك الرحمة وترك الانسان ونفسه، وما ذكره بعضهم أن المراد به العذاب الأخروي لا يساعد عليه السياق.
قوله تعالى: " قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا " الرغبة عن الشئ نقيض الرغبة فيه كما في المجمع، والانتهاء: الكف عن الفعل بعد النهى، والرجم: الرمي بالحجارة والمعروف من معناه القتل برمي الحجارة والهجر هو الترك والمفارقة والملي: الدهر الطويل.
وفي الآية تهديد لإبراهيم بأخزى القتل وأذله وهو الرجم الذي يقتل به المطرودون، وفيها طرد آزر لإبراهيم عن نفسه.
قوله تعالى: " قال سلام عليك سأستغفر لك ربى أنه كان بي حفيا " الحفي على ما ذكره الراغب: البر اللطيف وهو الذي يتتبع دقائق الحوائج فيحسن ويرفعها واحدا بعد واحد، يقال حفا يحفو حفى وحفوة وإحفاء السؤال والاحفاء فيه:
الالحاح والامعان فيه.
قابل إبراهيم عليه السلام أباه فيما أساء إليه وهدده وفيه سلب الامن عنه من قبله
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»
الفهرست