تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٤٧
في الجواب ولم يتعرض لمشكلة الولادة التي كانوا يكرون بها على مريم عليها السلام لان نطقه على صباه وهو آية معجزة وما أخبر به من الحقيقة لا يدع ريبا لمرتاب في أمره على أنه سلم في آخر كلامه على نفسه فشهد بذلك على نزاهته وأمنه من كل قذارة وخباثة ومن نزاهته طهارة مولده.
وقد بدأ بقوله: " إني عبد الله " اعترافا بالعبودية لله ليبطل به غلو الغالين وتتم الحجة عليهم، كما ختمه بمثل ذلك إذ يقول: " وإن الله ربي وربكم فاعبدوه.
وفي قوله: " آتاني الكتاب " إخبار بإعطاء الكتاب والظاهر أنه الإنجيل، وفي قوله: وجعلني نبيا " إعلام بنبوته، وقد تقدم في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب الفرق بين النبوة والرسالة، فقد كان يومئذ نبيا فحسب ثم اختاره الله للرسالة وظاهر الكلام أنه كان أوتي الكتاب والنبوة لا أن ذلك إخبار بما سيقع.
قوله تعالى: " وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا " كونه عليه السلام مباركا أينما كان هو كونه محلا لكل بركة والبركة نماء الخير كان نفاعا للناس يعلمهم العلم النافع ويدعوهم إلى العمل الصالح ويربيهم تربية زاكية ويبرئ الاكمه والأبرص ويصلح القوي ويعين الضعيف.
وقوله: " وأوصاني بالصلاة والزكاة " الخ، إشارة إلى تشريع الصلاة والزكاة في شريعته، والصلاة هي التوجه العبادي الخاص إلى الله سبحانه والزكاة الانفاق المالي وهذا هو الذي استقر عليه عرف القرآن كلما ذكر الصلاة والزكاة وقارن بينهما وذلك في نيف وعشرين موضعا فلا يعتد بقول من قال: إن المراد بالزكاة تزكية النفس وتطهيرها دون الانفاق المالي.
قوله تعالى: " وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا " أي جعلني حنينا رؤفا بالناس ومن ذلك أني بر بوالدتي ولست جبارا شقيا بالنسبة إلى سائر الناس، والجبار هو الذي يحمل الناس ولا يتحمل منهم، ونقل عن ابن عطاء أن الجبار الذي لا ينصح والشقى الذي لا ينتصح.
قوله تعالى: " والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا تسليم منه على نفسه في المواطن الثلاثة الكلية التي تستقبله في كونه ووجوده، وقد تقدم توضيحه
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست