تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٥١
فينقطعون عن سعادتهم الخالدة التي فيها قرة أعينهم فيتحسرون عليها حسرة لا تقدر بقدر إذ غفلوا في الدنيا فلم يسلكوا الصراط الذي يهديهم ويوصلهم إليها بالاستقامة وهو الايمان بالله وحده وتنزيهه عن الولد والشريك.
وفيما قدمناه كفاية عن تفاريق الوجوه التي أوردوها في تفسير الآية والله الهادي.
قوله تعالى: " إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون " قال الراغب في المفردات: " الوراثة والارث انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجرى مجرى العقد وسمى بذلك المنتقل عن الميت - إلى أن قال - ويقال: ورثت مالا عن زيد وورثت زيدا. انتهى.
والآية كأنها - تثبيت ونوع تقريب لقوله في الآية السابقة: " قضي الامر " فالمعنى وهذا القضاء سهل يسير علينا فإنا نرث الأرض وإياهم وإلينا يرجعون ووراثة الأرض أنهم يتركونها بالموت فيبقى لله تعالى ووراثة من عليها أنهم يموتون فيبقى ما بأيديهم لله سبحانه وعلى هذا فالجملتان " نرث الأرض ومن عليها " في معنى جملة واحدة " نرث عنهم الأرض.
ويمكن أن نحمل الآية على معنى أدق من ذلك وهو أن يراد أن الله سبحانه هو الباقي بعد فناء كل شئ فهو الباقي بعد فناء الأرض يملك عنها ما كانت تملكه من الوجود وآثار الوجود وهو الباقي بعد فناء الانسان يملك ما كان يملكه كما قصر الملك لنفسه في قوله: " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " المؤمن: 16، وقوله: ونرثه ما يقول ويأتينا فردا " مريم: 84.
ويرجع معنى هذه الوراثة إلى رجوع الكل وحشرهم إليه تعالى فيكون قوله:
" وإلينا يرجعون " عطف تفسير وبمنزلة التعليل للجملة الثانية أو لمجموع الجملتين بتغليب أولى العقل على غيرهم أو لبروز كل شئ يومئذ أحياء عقلاء.
وهذا الوجه أسلم من شبهة التكرار اللازم للوجه الأول فإن الكلام عليه نظير أن يقال ورثت مال زيد وزيدا.
واختتام الكلام على قصة عيسى عليه السلام بهذه الآية لا يخلو عن مناسبة فإن وراثته تعالى من الحجج على نفي الولد فإن الولد إنما يراد ليكون وارثا لوالده فالذي يرث كل شئ في غنى عن الولد.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست