تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ٤٠
نفس المحسوس الخارجي بعينه، وأن العلم بالمحسوس في نفسه مستند إلى الحس نفسه مع التخلف نادرا.
وأجيب عن الاشكال الثالث بأن أصل تجويز تصور الملك بصور سائر الحيوان غير الانسان قائم في الأصل، وإنما عرف فساده بدلائل السمع.
وفيه أنه لا دليل من جهة السمع يعتد به نعم يرد على أصل الاشكال أن المراد بالامكان إن كان هو الامكان المقابل للضرورة والامتناع فمن البين أن تمثل الملك بصورة الانسان لا يستلزم إمكان تمثله بصورة غيره من الحيوان، وإن كان هو الامكان بمعنى الاحتمال العقلي فلا محذور في الاحتمال حتى يقوم الدليل على نفيه أو إثباته.
وأجيب عن الاشكال الرابع بمثل ما أجيب به عن الثالث فإن احتمال التخلف قائم في المتواتر لكن دلائل السمع تدفعه. وفيه أن نظير الاحتمال قائم في نفس دليل السمع، فإن الطريق إليه حاسة السمع والجواب الصحيح عن هذا الاشكال هو الذي أوردناه جوابا عن الاشكال الثاني. والله أعلم.
فظهر مما قدمناه أن التمثل هو ظهور الشئ للانسان بصورة يألفها الانسان وتناسب الغرض الذي لأجله الظهور كظهور جبريل لمريم في صورة بشر سوي لما أن المعهود عند الانسان من الرسالة أن يتحمل إنسان الرسالة ثم يأتي المرسل إليه ويلقي إليه ما تحمله من الرسالة من طريق التكلم والتخاطب، وكظهور الدنيا لعلي عليه السلام في صورة امرأة حسناء لتغرها لما أن الفتاة الفائقة في جمالها هي في باب الأهواء واللذائذ النفسانية أقوى سبب يتوسل به للاخذ بمجامع القلب والغلبة على العقل إلى غير ذلك من الأمثلة الواردة.
فإن قلت: لازم ذلك القول بالسفسطة فإن الادراك الذي ليست وراءه حقيقة تطابقه من جميع الجهات ليس إلا وهما سرابيا وخيالا باطلا ورجوعه إلى السفسطة.
قلت: فرق بين أن يكون هناك حقيقة يظهر للمدرك بما يألفه من الصور وتحتمله أدوات إدراكه وبين أن لا يكون هناك إلا صورة إدراكية ليس وراءها شئ، والسفسطي هي الثاني دون الأول وتوخي أزيد من ذلك في باب العلم الحصولي طمع فيما لا مطمع فيه وتمام الكلام في ذلك موكول إلى محله. والله الهادي.
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست