" رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب - قال: يرثني مالي ويرث من آل يعقوب النبوة.
وقال في روح المعاني: مذهب أهل السنة أن الأنبياء عليهم السلام لا يرثون مالا ولا يورثون لما صح عندهم من الاخبار، وقد جاء أيضا ذلك من طريق الشيعة فقد روى الكليني في الكافي عن أبي البختري عن أبي عبد الله جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: إن العلماء ورثة الأنبياء، وذلك أن الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ بحظ وافر، وكلمه إنما مفيدة للحصر قطعا باعتراف الشيعة.
والوراثة في الآية محمولة على ما سمعت، ولا نسلم كونها حقيقة لغوية في وراثة المال بل هي حقيقة فيما يعم وراثة العلم والمنصب والمال وإنما صارت لغلبة الاستعمال في عرف الفقهاء مختصة بالمال كالمنقولات العرفية.
ولو سلمنا أنها مجاز في ذلك فهو مجاز متعارف مشهور خصوصا في استعمال القرآن المجيد بحيث يساوى الحقيقة، ومن ذلك قوله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا "، وقوله تعالى: " فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب " وقوله تعالى: " إن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم "، وقوله تعالى: " إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده "، " ولله ميراث السماوات والأرض ".
قولهم: " لا داعى إلى الصرف عن الحقيقة. قلنا: " الداعي متحقق وهي صيانة قول المعصوم عن الكذب ودون تأويله خرط القتاد، والآثار الدالة على أنهم يورثون المال لا يعول عليها عند النقاد.
وزعم البعض أنه لا يجوز حمل الوراثة هنا على وراثة النبوة لئلا يلغو قوله:
" واجعله رب رضيا " قد قدمنا ما يعلم منه ما فيه، وزعم أن كسبية الشئ تمنع من كونه موروثا ليس بشئ فقد تعلقت الوراثة بما ليس بكسبي في كلام الصادق.
ومن ذلك أيضا ما رواه الكليني في الكافي عن أبي عبد الله رضي الله عنه قال:
إن سليمان ورث داود، وإن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ورث سليمان عليه السلام فإن وراثة النبي سليمان لا يتصور أن تكون وراثة غير العلم والنبوة ونحوهما انتهى.