تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٨
قوله تعالى: " قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " قد تقدم في القصة من سورة آل عمران أن إلقاء البشرى إلى زكريا كان بتوسط الملائكة: فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى "، وهو عليه السلام إنما سأل الآية ليتميز به الحق من الباطل فتدله على أن ما سمعه من النداء وحي ملكي لا إلقاء شيطاني ولذلك أجيب بآية إلهية لا سبيل للشيطان إليها وهو أن لا ينطلق لسانه ثلاثة أيام إلا بذكر الله سبحانه فإن الأنبياء معصومون بعصمة إلهية ليس للشيطان أن يتصرف في نفوسهم.
فقوله: " قال رب اجعل لي آية سؤال لاية مميزة وقوله: " قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاث ليال سويا " إجابة ما سأل، وهو أن يعتقل لسانه ثلاثة أيام من غير ذكر الله وهو سوى أي صحيح سليم من غير مرض وآفة.
فالمراد بعدم تكليم الناس عدم القدرة على تكليمهم، من قبيل إطلام اللازم وإرادة الملزوم كناية، والمراد بثلاث ليال ثلاث ليال بأيامها وهو شائع في الاستعمال فكان عليه السلام يذكر الله بفنون الذكر ولا يقدر على تكليم الناس إلا رمزا وإشارة، والدليل على ذلك كله قوله تعالي في القصة من سورة آل عمران: " قال رب اجعل لي آية قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار " آل عمران: 41.
قوله تعالى: " فخرج على قومه من المحراب وأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا " قال في المجمع: وسمي المحراب محرابا لان المتوجه إليه في صلاته كالمحارب للشيطان على صلاته، والأصل فيه مجلس الاشراف الذي يحارب دونه ذبا عن أهله.
وقال الايحاء إلقاء المعنى إلى النفس في خفية بسرعة، وأصله من قولهم: الوحي الوحي أي الاسراع الاسراع. انتهى ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " يا يحيى خذ الكتاب بقوة " قد تكرر في كلامه تعالى ذكر أخذ الكتاب بقوة والامر به كقوله: " فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها " الأعراف: 145، وقوله: خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه " البقرة 63، وقوله: " خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا " البقرة: 93 إلى غير ذلك من الآيات،
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»
الفهرست