تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١١٠
المعدود وينفده وبهذه العناية قصد به إنفاد أعمارهم والانتهاء إلى آخر أنفاسهم كأن أنفاسهم الممدة لأعمارهم مذخورة بعددها عند الله فينفدها بإرسالها واحدا بعد آخر حتى تنتهى وهو اليوم الموعود عليهم.
وإذ كان مدة بقاء الانسان هي مدة بلائه وامتحانه كما ينبئ عنه قوله: " إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا " الكهف: 7 كان العد بالحقيقة عدا للأعمال المثبتة في صحيفة العمر، ليتم بذلك بنية الحياة الأخروية الخالدة ويستقصى للانسان ما يلتئم به عيشه هناك من نعم أو نقم فكما أن مكث الجنين في الرحم مدة يتم به خلقة جسمه كذلك مكث الانسان في الدنيا لان يتم به خلقة نفسه وأن يعد الله ما قدر له من العطية ويستقصيه.
وعلى هذا فلا ينبغي للانسان أن يستعجل الموت لكافر طالح لان مدة بقائه مدة عد سيئاته ليحاسب عليها ويعذب بها ولا لمؤمن صالح لان مدة بقائه مده عد حسناته ليثاب بها ويتنعم والآية لا تقيد العد وإن فهم من ظاهرها في بادئ النظر عد الأنفاس أو الأيام.
وكيف كان فقوله: " فلا تعجل عليهم " تفريع على ما تقدم وقوله: " إنما نعد " تعليل له وهو في الحقيقة علة التأخير ومحصل المعنى إذ كان هؤلاء لا ينتفعون باتخاذ الالهة وكانوا هم وآلهتهم منتهين إلينا غير خارجين من سلطاننا ولا مسيرهم في طريقهم بغير إذننا فلا تعجل عليهم بالقبض أو بالقضاء ولا يضيق صدرك عن تأخير ذلك إنما نعد لهم أنفاسهم أو أعمالهم عدا.
قوله تعالى: " يوم نحشر المتقين إلى الرحمان وفدا " الوفد هم القوم الواردون لزيارة أو استنجاز حاجة أو نحو ذلك ولا يسمون وفدا إلا إذا كانوا ركبانا وهو جمع واحده وافد.
وربما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية " إلى الرحمان " قوله في الآية التالية " إلى جهنم " أن المراد بحشرهم إلى الرحمن حشرهم إلى الجنة وإنما سمي حشرا إلى الرحمان لان الجنة مقام قربه تعالى فالحشر إليها حشر إليه. ومعنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: " ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا " فسر الورد بالعطاش وكأنه
(١١٠)
مفاتيح البحث: الموت (1)، الخلود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»
الفهرست