تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٤ - الصفحة ١٠٦
وقد تقدم أن الروايات لا تنطبق على سياق الآيات فإن الروايات صريحة في أن الكلمة إنما صدرت عن العاص بن وائل على سبيل الاستهزاء والسخرية على أن النقل القطعي أيضا يؤيد أن المشركين لم يكونوا قائلين بالبعث والنشور.
ثم الآيات تأخذ في رد كلمته بالاحتجاج ولو كانت كلمة استهزاء من غير جد لم يكن للاحتجاج عليها معنى إذ الاحتجاج لا يستقيم إلا على قول جدي وإلا كان هزلا فالروايات على صراحتها في كونها كلمة استهزاء لا تنطبق على الآية.
ولو حمل على وجه بعيد على أنه إنما قال: " لأوتين مالا وولدا " على وجه الالزام والتبكيت لخباب من غير أن يعتقده لا على وجه الاستهزاء! لم يكن لذكر الولد مع المال وجه وكفاه أن يقول: لأوتين مالا مع أن في بعض هذه الروايات أنه قال لخباب: إنكم تزعمون أنكم ترجعون إلى مال وولد ولم يعهد من مسلمي صدر الاسلام شيوع القول بأن في الجنة توالدا وتناسلا ولا وقعت في شئ من القرآن إشارة إلى ذلك.
هذا أولا.
ولم يكن للقسم والتأكيد البالغ في قوله: " لأوتين " وجه إذ الالزام والتبكيت لا حاجة فيه إلى تأكيد وهذا ثانيا.
ولم يكن لاطلاق الايتاء في قوله: لأوتين من دون أن يقيده بالجنة أو الآخرة دفعا للبس نكتة ظاهرة. وهذا ثالثا.
ولم يصلح للرد عليه وإبطاله إلا قوله تعالى: كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب " إلى آخر الآيتين، وأما قوله: " أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا " فغير وارد عليه البتة إذ الالزام والتبكيت لا يتوقف على العلم بصدق ما يلزم به حتى يتوقف عن منشأ علمه بل يجامع غالبا العلم بالكذب وإنما على التزام الخصم الذي يراد إلزامه به أو بما يستلزمه. وهذا رابعا.
وأعلم أنه ورد في ذيل قوله: " والباقيات الصالحات " الآية أخبار عن النبي وأئمة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة، وقد أشرنا إليها في الجزء الثالث عشر من الكتاب في بحث روائي في ذيل الآية 46 من سورة الكهف.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست