وقد تأدب الخضر معه إذ لم يصرح بالرد أولا بل أشار إليه بنفي استطاعته على الصبر ثم لما وعده موسى بالصبر إن شاء الله لم يأمره بالاتباع بل خلى بينه وبين ما يريد فقال: " فإن اتبعتني ": ثم لم ينهه عن السؤال نهيا مطلقا في صوره المولوية المحضة بل علقه على اتباعه فقال: " فان اتبعتني فلا تسألني حتى أنه لا يقترح عليه بالنهي بل هو أمر يقتضيه الاتباع.
قوله تعالى: " فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا " الامر بكسر الهمزة الداهية العظيمة وقوله: " فانطلقا " تفريع على ما تقدمه، والمنطلقان هما موسى والخضر وهو ظاهر في أن موسى لم يصحب فتاه في سيره مع الخضر، واللام في قوله، " لتغرق أهلها " للغاية فإن الغرق وإن كان عاقبة للخرق ولم يقصده الخضر البتة لكن العاقبة الضرورية ربما تؤخذ غاية مقصودة ادعاه لوضوحها كما يقال: أتفعل كذا لتهلك نفسك؟ والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: " قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا " إنكار لسؤال موسى وتذكير لما قاله من قبل: " إنك لن تستطيع الخ.
قوله تعالى: " قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا الرهق الغثيان بالقهر والارهاق التكليف، والمعنى لا تؤاخذني بنسياني الوعد وغفلتي عنه ولا تكلفني عسرا من أمري، وربما يفسر النسيان بمعنى الترك، والأول أظهر، والكلام اعتذار على أي حال.
قوله تعالى: " فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا في الكلام بعض الحذف للايجاز والتقدير: فخرجا من السفينة وانطلقا.
وفي قوله: " حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال " الخ " فقتله " معطوف على الشرط بفاء التفريع و " قال " جزاء " إذا " على ما هو ظاهر الكلام: وبذلك يظهر أن العمدة في الكلام ذكر اعتراض موسى لا ذكر القتل، ونظيرته الآية اللاحقة " فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية - إلى قوله - قال لو شئت " الخ بخلاف الآية السابقة: