قوله تعالى: " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه " إعظام وتكبير لظلمهم والظلم يعظم ويكبر بحسب متعلقه، وإذا كان هو الله سبحانه بآياته فهو أكبر من كل ظلم.
والمراد بنسيان ما قدمت يداه عدم مبالاته بما يأتيه من الاعراض عن الحق والاستهزاء به وهو يعلم أنه حق، وقوله: " إنا جعلنا على قلوبهم أكنه أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا " كأنه تعليل لاعراضهم عن آيات الله أو له ولنسيانهم ما قدمت أيديهم، وقد تقدم الكلام في معنى جعل الأكنة على قلوبهم والوقر في آذانهم في الكتاب مرارا.
وقوله: " وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا " إيآس من إيمانهم بعد ما ضرب الله الحجاب على قلوبهم وآذانهم فلا يسعهم بعد ذلك أن يهتدوا بأنفسهم بتعقل الحق ولا أن يسترشدوا بهداية غيرهم بالسمع والاتباع، والدليل على هذا المعنى قوله:
" وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذا أبدا " حيث دل على تأييد النفي وقيده بقوله: " إذا " وهو جزاء وجواب.
قال في روح المعاني: واستدلت الجبرية بهذه الآية على مذهبهم، والقدرية بالآية التي قبلها. قال الامام: وقل ما تجد في القرآن آية لاحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الاخر، وما ذاك إلا امتحان شديد من الله تعالى ألقاه الله على عباده ليتميز العلماء الراسخون من المقلدين. انتهى.
أقول: وكلتا الآيتين حق ولازم ذلك ثبوت الاختيار للعباد في أعمالهم وانبساط سلطنته تعالى في ملكه حتى على أعمال العباد وهو مذهب أئمة أهل لبيت عليهم السلام.
قوله تعالى: " وربك الغفور ذو الرحمة " إلى آخر الآية، الآيات - كما سمعت - مسرودة لتهديدهم بالعذاب وهم فاسدون في أعمالهم فسادا لا يرجى منهم صلاح وهذا مقتض لنزول العذاب وأن يكون معجلا لا يمهلهم إذ لا أثر لبقائهم إلا الفساد لكن الله سبحانه لم يعجل لهم العذاب وإن قضى به قضاء حتم بل أخره إلى أجل مسمى عينه بعلمه.