والتقدير " وما أنساني ذكر الحوت لك إلا الشيطان فهو لم ينس نفس الحوت وإنما نسى أن يذكر حاله التي شاهد منه لموسى.
ولا ضير في نسبة الفتى نسيانه إلى تصرف من الشيطان بناء على أنه كان يوشع بن نون النبي والأنبياء في عصمة إلهية من الشيطان لانهم معصومون مما يرجع إلى المعصية وأما مطلق إيذاء الشيطان فيما لا يرجع إلى معصية فلا دليل يمنعه قال تعالى: " وأذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب " ص: 41.
وقوله: " واتخذ سبيله في البحر عجبا أي اتخاذا عجبا، فعجبا وصف قام مقام موصوفه على المفعولية المطلقة وقيل: " إن قوله: " واتخذ سبيله في البحر " قول الفتى وقوله: " عجبا " من قول موسى، والسياق يدفعه.
واعلم أن ما تقدم من الاحتمال في قوله: " نسيا حوتهما " الخ جار ههنا والله أعلم.
قوله تعالى: " قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا " البغي الطلب، والارتداد العود على بدء، والمراد بالآثار آثار أقدامهما والقصص اتباع الأثر والمعنى قال موسى: ذلك الذي وقع من أمر الحوت هو الذي كنا نطلبه فرجعا على آثارهما يقصانها قصصا ويتبعانها اتباعا.
وقوله: " ذلك ما كنا نبغ فارتدا " يكشف عن أن موسى كان مأمورا من طريق الوحي ان يلقى العالم في مجمع البحرين وكان علامة المحل الذي يجده ويلقا فيه ما وقع من أمر الحوت إما خصوص قضية حياته وذهابه في البحر أو بنحو الابهام والعموم كفقد الحوت أو حياته أو عود الميت حيا ونحو ذلك، ولذلك لما سمع موسى من فتاه ما سمع من أمر الحوت قال ما قال، ورجعا إلى المكان الذي فارقاه فوجدا عبدا " الخ ".
قوله تعالى: فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا " إلخ. كل نعمة فإنها رحمة منه تعالى لخلقه لكن منها ما تتوسط فيه الأسباب الكونية وتعمل فيه كالنعم الظاهرية بأنواعها، ومنها ما لا يتوسط فيه شئ منها كالنعم الباطنية من النبوة والولاية بشعبها ومقاماتها، وتقييد الرحمة بقوله: " من عندنا " الظاهر في أنها من موهبته لا صنع لغيره فيها يعطي أنها من القسم الثاني أعني النعم الباطنية ثم اختصاص الولاية بحقيقتها به تعالى كما قال: " فالله هو الولي " الشورى: 9، وكون النبوة مما للملائكة