فقوله: " إنك لن تستطيع معي " الخ إخبار بأنه لا يطيق الطريق الذي يتخذه في تعليمه إن اتبعه لا أنه لا يتحمل العلم. قوله تعالى: " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا " الخبر العلم وهو تمييز والمعنى لا يحيط به خبرك.
قوله تعالى: " قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا " وعده الصبر لكن قيده بالمشية فلم يكذب إذ لم يصبر وقوله: ولا أعصي " الخ عطف على " صابرا " لما فيه من معنى الفعل فعدم المعصية الذي وعده أيضا مقيد بالمشية ولم يخلف الوعد إذ لم ينتهي بنهيه عن السؤال.
قوله تعالى: " قال فان اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا " الظاهر أن " منه " متعلق بقوله: " ذكرا " وإحداث الذكر من الشئ الابتداء به من غير سابقة والمعنى فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ تشاهده من أمري تشق عليك مشاهدته حتى ابتدء أنا بذكر منه، وفيه إشارة إلى أنه سيشاهد منه أمورا تشق عليه مشاهدتها وهو سيبينها له لكن لا ينبغي لموسى أن يبتدئه بالسؤال والاستخبار بل ينبغي أن يصبر حتى يبتدئه هو بالاخبار.
وقد أتى موسى عليه السلام من الخلق والأدب البارع الحري بالمتعلم المستفيد قبال الخضر - على ما تحكيه هذه الآيات - بأمر عجيب وهو كليم الله موسى بن عمران الرسول النبي أحد اولي العزم صاحب التوراة.
فكلامه موضوع على التواضع من أوله إلى آخره، وقد تأدب معه أولا فلم يورد طلبه منه التعليم في صورة الامر بل في صورة الاستفهام هضما لنفسه، وسمى مصاحبته اتباعا منه له، ثم لم يورد التعليم في صورة الاشتراط بل قال: على أن تعلمن الخ ثم عد نفسه متعلما، ثم أعظم قدر علمه إذ جعله منتسبا إلى مبدء غير معلوم لم يعينه باسم أو نعت فقال:
" علمت " ولم يقل تعلم، ثم مدحه بقوله: " رشدا " ثم جعل ما يتعلمه بعض علمه فقال: " مما علمت " ولم يقل: ما علمت ثم رفع قدره إذ جعل ما يشير عليه به أمرا يأمره وعد نفسه لو خالفه فيما يأمر عاصيا ثم لم يسترسل معه بالتصريح بالوعد بل كنى عنه بمثل قوله: " ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا.