الكرام فيه عمل كالوحي ونحوه يؤيد أن يكون المراد بقوله: " رحمه من عندنا " حيث جيئ بنون العظمة ولم يقل: من عندي هو النبوة دون الولاية وبهذا يتأيد تفسير من فسر الكلمة بالنبوة والله أعلم.
وأما قوله: " وعلمناه من لدنا علما " فهو أيضا كالرحمة التي من عنده علم لا صنع فيه للأسباب العادية كالحس والفكر حتى يحصل من طريق الاكتساب والدليل على ذلك قوله: " من لدنا " فهو علم وهبي غير اكتساب يختص به أولياءه وآخر الآيات يدل على أنه كان علما بتأويل الحوادث.
قوله تعالى: " قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا " الرشد خلاف الغي وهو إصابة الصواب، وهو في الآية مفعول له أو مفعول به، والمعنى قال له موسى هل اتبعك اتباعا مبنيا على هذا الأساس وهو أن تعلمني مما علمت لأرشد به أو تعلمني مما علمت أمرا ذا رشد.
قوله تعالى: " قال إنك لن تستطيع معي صبرا " نفي مؤكد لصبره عليه السلام على شئ مما يشاهده منه في طريق التعليم والدليل عليه تأكيد الكلام بإن وإيراد الصبر نكرة في سياق النفي الدال على إرادة العموم، ونفي الصبر بنفي الاستطاعة التي هي القدرة فهو آكد من أن يقال: لن تصبر، وإيراد النفي بلن ولم يقل: لا تصبر وللفعل توقف على القدرة فهو نفي الفعل بنفي أحد أسبابه ثم نفي الصبر بنفي سبب القدرة عليه وهو إحاطة الخبر والعلم بحقيقة الواقعة وتأويلها حتى يعلم أنها يجب أن تجرى على ما جرت عليه.
وقد نفى صبره على مظاهر علمه من الحوادث حيث قال: " لن تستطيع معي " ولم ينف صبره على نفس علمه فلم يقل: لن تصبر على ما أعلمه ولن تتحمله ولم يتغير عليه موسى عليه السلام حينما أخبره بتأويل ما رأى منه وإنما تغير عليه عند مشاهدة نفس أفعاله التي أراه إياها في طريق التعليم، فللعلم حكم ولمظاهره حكم ونظير ذلك أن موسى عليه السلام لما رجع من الميقات إلى قومه وشاهد أنهم عبدوا العجل من بعده امتلا غيظا وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه وقد كان الله أخبره بذلك وهو في الميقات فلم يأت بشئ من ذلك وقول الله أصدق من الحس والقصة في سورة الأعراف.