الاظهر من سياق الآية وما سيأتي من قوله: " وما فعلته عن أمري " أن يكون المراد بالخشية التحذر عن رأفة ورحمة مجازا لا معناه الحقيقي الذي هو التأثر القلبي الخاص المنفى عنه تعالى وعن أنبيائه كما قال: " ولا يخشون أحدا إلا الله " الأحزاب: " 39، وأن يكون المراد بقوله: " أن يرهقهما طغيانا وكفرا " أن يغشيهما ذلك أي يحمل والديه على الطغيان والكفر بالاغواء والتأثير الروحي لمكان حبهما الشديد له لكن قوله في الآية التالية: " وأقرب رحما " لا تخلو من تأييد لكون " طغيانا وكفرا " تميزين عن الارهاق أي وصفين للغلام دون أبويه.
قوله تعالى: " فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاه وأقرب رحما المراد بكونه خيرا منه زكاة كونه خيرا منه صلاحا وايمانا بقرينة مقابلته الطغيان والكفر في الآية السابقة، وأصل الزكاة فيما قيل الطهارة والمراد بكونه أقرب منه رحما كونه أوصل للرحم والقرابة فلا يرهقهما، وأما تفسيره بكونه أكثر رحمة بهما فلا يناسبه قوله " أقرب منه " تلك المناسبة، وهذا - كما عرفت - يؤيد كون المراد من قوله:
" يرهقهما طغيانا وكفرا " في الآية السابقة إرهاقه إياهما بطغيانه وكفره لا تكليفه إياهما الطغيان والكفر وإغشاؤهما ذلك.
والآية - على أي حال - تلوح إلى أن إيمان أبويه كان ذا قدر عند الله ويستدعي ولدا مؤمنا صالحا يصل رحمهما وقد كان المقضي في الغلام خلاف ذلك فأمر الله الخضر بقتله ليبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما.
قوله تعالى: " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا " لا يبعد أن يستظهر من السياق أن المدينة المذكورة في هذه الآية غير القرية التي وجدا فيها الجدار فأقامه، إذ لو كانت هي هي لم يكن كثير حاجة إلى ذكر كون الغلامين اليتيمين فيها فكأن العناية متعلقة بالإشارة إلى أنهما ومن يتولى أمرهما غير حاضرين في القرية.
وذكر يتم الغلامين ووجود كنز لهما تحت الجدار ولو انقض لظهر وضاع وكون أبيهما صالحا كل ذلك توطئة وتمهيد لقوله: " فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما " وقوله: " رحمة من ربك " تعليل للإرادة.