فرحمته تعالى سبب لإرادة بلوغهما واستخراجهما كنزهما، وكان يتوقف على قيام الجدار فأقامه الخضر، وكان سبب انبعاث الرحمة صلاح أبيهما وقد عرض أن مات وأيتم الغلامين وترك كنزا لهما.
وقد طال البحث في التوفيق بين صلاح أبيهما ووجود كنز لهما تحت الجدار الظاهر في كون أبيهما هو الكانز له بناء على ذم الكنز كما يدل عليه قوله تعالى: " والذين يكنزون الذهب والفضي ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " التوبة: 34.
لكن الآية لا تتعرض بأكثر من أن تحته كنز لهما من غير دلالة على أن أباهما هو الذي دفنه وكنزه، على أن وصف أبيهما بالصلاح دليل على كون هذا الكنز أيا ما كان أمرا غير مذموم على تقدير تسليم كون الكانز هو الأب، على أن من الجائز أن يكون أبوهما الصالح كنزه لهما لتأويل يسوغه فما هو بأعظم من خرق السفينة وقتل النفس المحترمة الواردين في القصة وقد جوزهما التأويل بأمر إلهي وهنا بعض روايات ستوافيك في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.
وفي الآية دلالة على أن صلاح الانسان ربما ورث أولاده أثرا جميلا وأعقب فيهم السعادة والخير فهذه الآية في جانب الخير نظيرة قوله تعالى: " وليخش الذين لو تركوا من بعدهم ذرية ضعافا خافوا عليهم " النساء: " 9.
وقوله: " وما فعلته عن أمري " كناية عن أنه إنما فعل ما فعل عن أمر غيره وهو الله سبحانه لا عن أمر أمرته به نفسه.
وقوله: " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا: " أي ما لم تستطع عليه صبرا من اسطاع يسطيع بمعنى استطاع يستطيع وقد تقدم في أول تفسير سورة آل عمران أن التأويل في عرف القرآن هي الحقيقة التي يتضمنها الشئ ويؤول إليها ويبتنى عليها كتأويل الرؤيا وهو تعبيرها، وتأويل الحكم وهو ملاكه وتأويل الفعل وهو مصلحته وغايته الحقيقية وتأويل الواقعة وهو علتها الواقعية وهكذا.
فقوله: " ذلك تأويل ما لم تسطع " الخ إشارة منه إلى أن الذي ذكره للوقائع الثلاث وأعماله فيها هو السبب الحقيقي لها لا ما حسبه موسى من العناوين المترائية من