تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٣ - الصفحة ٣٣٤
فقوله: " وربك الغفور ذو الرحمة " صدرت به الآية المتضمنة لصريح القضاء في تهديدهم ليعدل به بواسطة اشتماله على الوصفين: الغفور ذي الرحمة ما يقتضي العذاب المعجل فيقضى ويمضى أصل العذاب أداء لحق مقتضيه وهو عملهم، ويؤخر وقوعه لان الله غفور ذو رحمة.
فالجملة أعني قوله: " الغفور ذو الرحمة " مع قوله: " لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب " بمنزلة متخاصمين متنازعين يحضران عند القاضي وقوله: " بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا " أي ملجأ يلجؤون منه إليه بمنزلي الحكم الصادر عنه بما فيه إرضاء الجانبين ومراعاة الحقين فاعطي وصف الانتقام الإلهي باستدعاء مما كسبوا أصل العذاب وأعطيت صفة المغفرة والرحمة أن يؤجل العذاب ولا يعجل، وعند ذلك أخذت المغفرة الإلهية تمحو أثر العمل الذي هو استعجال العذاب، والرحمة تفيض عليهم حياة معجلة.
ومحصل المعنى: لو يؤاخذهم ربك لعجل لهم العذاب لكن لم يعجل لأنه الغفور ذو الرحمة بل حتم عليهم العذاب بجعله لهم موعدا لا ملجأ لهم يلجؤون منه إليه. فقوله:
" بل لهم موعد " الخ كلمة قضاء وليس بحكاية محضة وإلا قيل: بل جعل لهم موعدا الخ فافهم ذلك.
والغفور صيغة مبالغة تدل على كثرة المغفرة وذو الرحمة - ولامه للجنس - صفة تدل على شمول الرحمة لكل شئ فهي أشمل معنى من الرحمان والرحيم الدالين على الكثرة أو الثبوت والاستمرار فالغفور بمنزلة الخادم لذي الرحمة فإنه يصلح المورد لذي الرحمة بإمحاء ما عليه من وصمة الموانع فإذا صلح شمله ذو الرحمة، فللغفور السعي وكثرة العمل ولذي الرحمة الانبساط والشمول على ما لا مانع عنده، ولهذه النكتة جئ في المغفرة بالغفور وهو صيغة مبالغة وفي الرحمي بذي الرحمي الحاوي لجنس الرحمي فأفهم ذلك ودع عنك ما أطنبوا فيه من الكلام في الاسمين.
قوله تعالى: " وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا " المراد بالقرى أهلها مجازا بدليل الضمائر الراجعة إليها، ولمهلك بكسر اللام اسم زمان.
ومعنى الآية ظاهر وهي مسوقة لبيان أن تأخير مهلكهم وتأجيله ليس ببدع منا
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الإسراء 5
2 (9 - 22) كلام في القضاء في فصول (بحث روائي) 72
3 1 - تحصيل معناه وتحديده 72
4 2 - نظرة فلسفية في معنى القضاء 72
5 3 - الروايات 73
6 (23 - 39) كلام في حرمة الزنا (بحث قرآني) 74
7 (66 - 72) كلام في الفضل بين الانسان والملك (بحث مختلط) 160
8 (82 - 100) في تعلق القضاء بالشرور (بحث فلسفي) 187
9 (82 - 100) كلام في سنخية الفعل وفاعله (بحث قرآني) 194
10 (82 - 100) تعقيب البحث من جهة القرآن (بحث قرآني) 194
11 (101 - 111) في نزول القرآن نجوما في فصول 194
12 (101 - 111) 1 - في انقسامات القرآن 230
13 (101 - 111) 2 - في عدد السور 232
14 (101 - 111) 3 - في ترتيب السور 233
15 سورة الكهف 235
16 (سورة الكهف) كلام حول قصة أصحاب الكهف في فصول (بحث قرآني وتاريخي) 290
17 (9 - 26) 1 - الروايات 290
18 2 - قصة أصحاب الكهف في القرآن 292
19 3 - القصة عند غير المسلمين 294
20 4 - أين كهف أصحاب الكهف؟ 295
21 (60 - 82) بحث في فصلين (بحث تاريخي) 350
22 قصة موسى والخضر في القرآن 350
23 (83 - 102) كلام حول قصة ذي القرنين في فصول (بحث قرآني وتاريخي) 378
24 1 - قصة ذي القرنين في القرآن 378
25 2 - ذكرى ذي القرنين والسد ويأجوج ومأجوج في أخبار الماضين 379
26 3 - من هو ذو القرنين وأين سده والأقوال فيه 381
27 4 - معنى صيرورة السد دكاء كما أخبر به القرآن 396