تثيب من دان لها وتعلق بها ثوابا باطلا زائلا لا يدوم وهو مع ذلك من الله وبإذنه، وكان الله سبحانه خيرا منها عاقبه لأنه سبحانه هو الحق الثابت الذي لا يفنى ولا يزول ولا يتغير عما هو عليه من الجلال والاكرام، وهى أمور فانية متغيرة جعلها الله زينة للحياة الدنيا يتوله إليها الانسان وتتعلق بها قلبه حتى يبلغ الكتاب أجله وإن الله لجاعلها صعيدا جرزا.
وإذا كان الانسان لا غنى له عن التعلق بشئ ينسب إليه التدبير ويتوقع منه إصلاح شأنه فربه خير له من غيره لأنه خير ثوابا وخير عقبا.
وذكر بعضهم أن الإشارة بقوله: " هنالك " إلى يوم القيامة فيكون المراد بالثواب والعقب ما في ذلك اليوم. والسياق كما تعلم لا يساعد على شئ من ذلك.
قوله تعالى: " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء الخ هذا هو المثل الثاني ضرب لتمثيل الحياة الدنيا بما يقارنها من الزينة السريعة الزوال.
والهشيم فعيل بمعنى مفعول من الهشم، وهو على ما قال الراغب كسر الشئ الرخو كالنبات، وذرا يذرو ذروا أي فرق، وقيل: أي جاء به وذهب، وقوله:
" فاختلط به نبات الأرض " ولم يقل: اختلط بنبات الأرض إشارة إلى غلبته في تكوين النبات على سائر أجزائه، ولم يذكر مع ماء السماء غيره من مياه العيون والأنهار لان مبدء الجميع ماء المطر، وقوله: " فأصبح هشيما " أصبح فيه - كما قيل - بمعنى صار فلا يفيد تقييد الخبر بالصباح.
والمعني: واضرب لهؤلاء المتولهين بزينة الدنيا المعرضين عن ذكر ربهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء وهو المطر فاختلط به نبات الأرض فرف نضارة وبهجة وظهر بأجمل حليه فصار بعد ذلك هشيما مكسرا متقطعا تعبث به الرياح تفرقه وتجئ به وتذهب وكان الله على كل شئ مقتدرا.
قوله تعالى: " المال والبنون زينة الحياة الدنيا " إلى آخر الآية. الآية بمنزله النتيجة للمثل السابق وهي أن المال والبنين وإن تعلقت بها القلوب وتاقت إليها النفوس تتوقع منها الانتفاع وتحف بها الآمال لكنها زينة سريعة الزوال غارة لا يسعها أن تثيبه