ثم إنا نجد القرآن يتحدى بأوصاف ترجع إلى عامة آياته ونجد ما بأيدينا من القرآن أعني ما بين الدفتين واجدا لما وصف به من أوصاف تحدى بها من غير أن يتغير في شئ منها أو يفوته ويفقد.
فنجده يتحدى بالبلاغة والفصاحة ونجد ما بأيدينا مشتملا على ذلك النظم العجيب البديع لا يعدله ولا يشابهه شئ من كلام البلغاء والفصحاء المحفوظ منهم والمروى عنهم من شعر أو نثر أو خطبة أو رسالة أو محاورة أو غير ذلك وهذا النظم موجود في جميع الآيات سواء كتابا متشابها مثاني تقشعر منه الجلود والقلوب.
ونجده يتحدى بقوله: " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " النساء: 82 بعدم وجود اختلاف فيه ونجد ما بأيدينا من القرآن يفي بذلك أحسن الوفاء وأوفاه فما من ابهام أو خلل يتراءى في آية الا ويرفعه آية أخرى وما من خلاف أو مناقضة يتوهم بادئ الرأي من شطر الا وهناك ما يدفعه ويفسره.
ونجده يتحدى بغير ذلك مما لا يختص فهمه بأهل اللغة العربية كما في قوله: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " اسرى: 88 وقوله: " إنه لقول فصل وما هو بالهزل " الطارق: 14 ثم نجد ما بأيدينا من القرآن يستوفى البيان في صريح الحق الذي لا مرية فيه ويهدى إلى آخر ما يهتدى إليه العقل من أصول المعارف الحقيقية وكليات الشرائع الفطرية وتفاصيل الفضائل الخلقية من غير أن نعثر فيها على شئ من النقيصة والخلل أو نحصل على شئ من التناقض والزلل بل نجد جميع المعارف على سعتها وكثرتها حية بحياة واحدة مدبرة بروح واحد هو مبدء جميع المعارف القرآنية والأصل الذي إليه ينتهى الجميع ويرجع وهو التوحيد فإليه ينتهى الجميع بالتحليل وهو يعود إلى كل منها بالتركيب.
ونجده يغوص في اخبار الماضين من الأنبياء وأممهم ونجد ما عندنا من كلام الله يورد قصصهم ويفصل القول فيها على ما يليق بطهارة الدين ويناسب نزاهة ساحة النبوة وخلوصها للعبودية والطاعة وكلما طبقنا قصة من القصص القرآنية على ما يماثلها مما ورد في العهدين انجلى ذلك أحسن الانجلاء.
ونجده يورد آيات في الملاحم ويخبر عن الحوادث الآتية في آيات كثيرة بالتصريح