تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٨٩
وذلك أن كون الحق في الآية بمعنى العدل والانصاف لا شاهد عليه من اللفظ على أن الذي ذكره من المعنى انما يلائم كون الباء بمعنى لام الغرض أو للمصاحبة دون السببية.
وكذا ما ذكره بعضهم ان الحق بمعنى الحكمة وان الجملة الأولى وما خلقنا الخ ناظرة إلى العذاب الدنيوي والثانية وان الساعة لآتية إلى العذاب الأخروي والمعنى وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا متلبسا بالحق والحكمة بحيث لا يلائم استمرار الفساد واستقرار الشرور وقد اقتضت الحكمة اهلاك أمثال هؤلاء دفعا لفسادهم وارشادا لمن بقى إلى الصلاح وان الساعة لآتية فينتقم أيضا فيها من أمثال هؤلاء.
وفي الآية مشاجرة بين أصحاب الجبر والتفويض كل من الفريقين يجر نارها إلى قرصته فاستدل بها أصحاب الجبر على أن أفعال العباد مخلوقة لله لان أعمالهم من جملة ما بينهما فهى مخلوقه له.
واستدل بها أصحاب التفويض على أن أفعال العباد ليست مخلوقة له بل لأنفسهم فان المعاصي وقبائح الأعمال من الباطل فلو كانت مخلوقة له لكانت مخلوقة بالحق والباطل لا يكون مخلوقا بالحق والحق ان الحجتين جميعا من الباطل فان جهات القبح والمعصية في الافعال حيثيات عدمية إذ الطاعة والمعصية كالنكاح والزنا وأكل المال من حله وبالباطل وأمثال ذلك مشتركة في أصل الفعل وانما تختلف طاعة ومعصية بموافقة الامر ومخالفته والمخالفة جهة عدمية وإذا كان كذلك فاستناد الفعل إلى الخلقة من جهة الوجود لا يستلزم استناد القبيح أو المعصية إليها فان ذلك من جهاته العدمية فليس الفعل بجهته العدمية مما بين السماوات والأرض حتى تشمله الآية ولا بجهته الوجودية من الباطل حتى يكون خلقه خلقا للباطل بالحق.
على أن الضرورة قائمة على حكومة نظام العلل والمعلولات في الوجود وان قيام وجود شئ بشئ بحيث لا يستقل دونه هو ملاك الاتصاف فالمتصف بالطاعة والمعصية وحسن الفعل وقبيحه هو الانسان دون الذي خلقه ويسر له ان يفعل كذا وكذا كما
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست