تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٩٠
ان المتصف بالسواد والبياض الجسم الذي يقوم به هذان اللونان دون الذي أوجده.
وقد استوفينا الكلام في هذا البحث في تفسير قوله: " وما يضل به إلا الفاسقين " البقرة: 26 الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى فاصفح الصفح الجميل ان ربك هو الخلاق العليم قال في المفردات صفح الشئ عرضه وجانبه كصفحة الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر والصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو ولذلك قال فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره وقد يعفوا الانسان ولا يصفح قال تعالى: " فاصفح عنهم وقل سلام فاصفح الصفح الجميل أفنضرب عنكم الذكر صفحا.
وصفحت عنه أوليته صفحة جميلة معرضا عن ذنبه أو لقيت صفحته متجافيا عنه أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب وقوله: " إن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل " فأمر له عليه السلام ان يخفف كفر من كفر كما قال ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون والمصافحة الافضاء بصفحة اليد انتهى.
وسيأتى ما في الرواية من تفسير علي عليه السلام الصفح بالعفو من غير عتاب.
وقوله فاصفح الصفح الجميل تفريع على سابقه أي إذا كانت الخلقة بالحق وهناك يوم فيه يحاسبون ويجازون لا ريب فيه فلا تشغل نفسك بما ترى منهم من التكذيب والاستهزاء واعف عنهم من غير أن تقع فيهم بعتاب أو مناقشة وجدال فان ربك الذي خلقك وخلقهم هو عليم بحالك وحالهم ووراءهم يوم لا يفوتونه.
ومن هنا يظهر ان قوله ان ربك هو الخلاق العليم تعليل لقوله فاصفح الصفح الجميل.
وهذه الآيات الحافة لقوله فاصدع بما تؤمر تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه ليأخذ قوله فاصدع بما تؤمر موقعه فقد عرفت في أول السورة ان الغرض الأصيل منها هو الامر باعلان الدعوة وعرفت أيضا بالتدبر في الآيات السابقة انها مسرودة ليتخلص بها إلى تسليته صلى الله عليه وآله وسلم عما لقى من قومه من الايذاء والإهانة والاستهزاء ويتخلص من ذلك إلى الامر المطلوب.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست