تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٩٣
خفضه لها هذا والذي ذكروه وان أمكن ان يتأيد بآيات اخر كقوله: " فبما رحمة من الله لنت لهم " آل عمران: 159 وقوله في صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم " التوبة: 128 لكن الذي وقع في نظير الآية مما يمكن ان يفسر به خفض الجناح هو صبر النفس مع المؤمنين وهو يناسب ان يكون كناية عن ضم المؤمنين إليه وقصر الهم على معاشرتهم وتربيتهم وتأديبهم بأدب الله أو كناية عن ملازمتهم والاحتباس فيهم من غير مفارقة كما أن الطائر إذا خفض الجناح لم يطر ولم يفارق قال تعالى: " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " الآية الكهف: 28.
وقوله وقل انى انا النذير المبين أي لا دعوى لي الا انى نذير أنذركم بعذاب الله سبحانه مبين أبين لكم ما تحتاجون إلى بيانه وليس لي وراء ذلك من الامر شئ.
فهذه الأمور الأربعة أعني ترك الرغبة بما في أيديهم من متاع الحياة الدنيا وترك الحزن عليهم إذا كفروا واستهزؤا وخفض الجناح للمؤمنين واظهار انه نذير مبين هو الصفح الجميل الذي يليق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولو أسقط منها واحد لاختل الامر.
ومن ذلك يظهر ان قول بعضهم ان قوله فاصفح الصفح الجميل منسوخ بآية السيف غير وجيه فان هذا الصفح الذي تأمر به الآية ويفسره قوله لا تمدن عينيك باق على احكامه واعتباره حتى بعد نزول آية السيف فلا وجه لنسبة النسخ إليه.
قوله تعالى: " كما أنزلنا على المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين " قال في المجمع عضين جمع عضة واصله عضوة فنقصت الواو لذلك جمعت عضين بالنون كما قيل عزوة وعزون والأصل عزوة والتعضية التفريق مأخوذ من الأعضاء يقال عضيت الشئ أي فرقته وبعضته قال رؤبة وليس دين الله بالمعضى انتهى موضع الحاجة.
وقوله كما أنزلنا على المقتسمين لا يخلو السياق من دلالة على أنه متعلق بمقدر يلوح إليه قوله وقل إني أنا النذير المبين أي بعذاب منزل ينزل عليكم كما أنزلنا على المقتسمين والمراد بالمقتسمين هم الذين يصفهم قوله بعد الذين
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست