تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٢ - الصفحة ١٣٦
سنها الله في الأولين فالسنة سنتهم دون سنة الله فيهم كما ذكره بعض المفسرين فهو الأنسب لمقام ذمهم وتعزيته صلى الله عليه وآله وسلم بذكر ردهم واستهزائهم لرسلهم.
قوله تعالى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا انما سكرت ابصارنا الخ العروج في السماء الصعود إليها والتسكير الغشاوة.
والمراد بفتح باب من السماء عليهم ايجاد طريق يتيسر لهم به الدخول في العالم العلوي الذي هو مأوى الملائكة وليس كما يظن سقفا جرمانيا له باب ذو مصراعين يفتح ويغلق وقد قال تعالى: " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " القمر: 11.
وقد اختار سبحانه من بين الخوارق التي يظن أنها ترفع عنهم الشبهة وتزيل عن نفوسهم الريب فتح باب من السماء وعروجهم فيه لأنه كان يعظم في أعينهم أكثر من غيره ولذلك لما اقترحوا عليه أمورا من الخوارق العظيمة ذكروا الرقي في السماء في آخر تلك الخوارق المذكورة على سبيل الترقي كما حكاه الله عنهم بقوله: " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " إلى أن قال " أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " اسرى: 93 فالرقي في السماء والتصرف في أمورها كتنزيل كتاب مقرو منها أي نفوذ البشر في العالم العلوي وتمكنه فيه ومنه أعجب الخوارق عندهم.
على أن السماء مأوى الملائكة الكرام ومحل صدور الاحكام والأوامر الإلهية وفيها الواح التقادير ومنها مجارى الأمور ومنبع الوحي واليها صعود كتب الأعمال فعروج الانسان فيها يوجب اطلاعه على مجارى الأمور وأسباب الخوارق وحقائق الوحي والنبوة والدعوة والسعادة والشقاوة وبالجملة يوجب اشرافه على كل حقيقة وخاصة إذا كان عروجا مستمرا لا مرة ودفعة كما يشير إليه قوله تعالى فظلوا فيه يعرجون حيث عبر بقوله ظلوا ولم يقل فعرجوا فيه.
فالفتح والعروج بهذا النعت يطلعهم على أصول هذه الدعوة الحقة واعراقها لكنهم لما في قلوبهم من الفساد وفي نفوسهم من قذارة الريبة والشبهة المستحكمة يخطؤن أبصارهم فيما يشاهدون بل يتهمون النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه سحرهم فهم مسحورون من قبله.
فالمعنى ولو فتحنا عليهم بابا من السماء ويسرنا لهم الدخول في عالمها فداموا
(١٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»
الفهرست