وأليف الخيال.
وقد قضت هذه العادة اللازمة على الانسان أن يصور لربه صورة خيالة على حسب ما يألفه من الأمور المادية المحسوسة حتى أن أكثر الموحدين ممن يرى تنزه ساحة رب العالمين تعالى وتقدس عن الجسمية وعوارضها يثبت في ذهنه له تعالى صورة مبهمة خيالية معتزلة للعالم تبادر ذهنه إذا توجه إليه في مسألة أو حدث عنه بحديث غير أن التعليم الديني أصلح ذلك بما قرر من الجمع بين النفي والاثبات والمقارنة بين التشبيه والتنزيه يقول الموحد المسلم: إنه تعالى شئ ليس كمثله شئ له قدرة لا كقدرة خلقه، وعلم لا كالعلوم وعلى هذا القياس.
وقل أن يتفق لانسان أن يتوجه إلى ساحة العزة والكبرياء ونفسه خالية عن هذه المحاكاة، وما أشذ أن يسمح الوجود برجل قد أخلص نفسه لله سبحانه غير متعلق القلب بمن دونه، ولا ممسوس بالتسويلات الشيطانية، قال تعالى: (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) الصافات: 160، وقال حكاية عن إبليس:
(قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) ص: 83.
وبالجملة الانسان شديد الولع بتخيل الأمور غير المحسوسة في صورة الأمور المحسوسة فإذا سمع أن وراء الطبيعة الجسمية ما هو أقوى وأقدر وأعظم وأرفع من الطبيعة وأنه فعال فيها محيط بها أقدم منها مدبر لها حاكم فيها لا يوجد شئ إلا بأمره ولا يتحول عن حال إلى حال إلا بإرادته ومشيته لم يتلق من جميع ذلك إلا ما يضاهى أوصاف الجسمانيات وما يتحصل من قياس بعضها إلى بعض.
وكثيرا ما حكاه في نفسه بصورة إنسان فوق السماوات جالس على عرش الملك يدبر أمر العالم بالتفكر ويتممه بالإرادة والمشية والامر والنهى، وقد صرحت التوراة الموجودة بأن الله سبحانه كذلك، وأنه تعالى خلق الانسان على صورته، وظاهر الأناجيل أيضا ذلك.
فقد تحصل أن الأقرب إلى طبع الانسان وخاصة الانسان الأولى الساذج أن يصنع لربه المنزه عن الشبه والمثل صورة يضاهى بها الذوات الجسمانية وتناسب