الدنيا، ولكن يشاركهم غير هم فيها بالتبع لهم وإن لم يستحقها مثلهم، وهي خالصة لهم يوم القيامة - أو حال كونها خالصة لهم يوم القيامة فقد قرأ نافع " خالصة " بالرفع على أنها خبر والباقون بالنصب على الحالية - وذلك أن المؤمنين هم الذين ينتهي إليهم العلوم النافعة في الحياة الصالحة والأوامر المحرضة لاصلاح الحياة بأخذ الزينة والارتزاق بالطيبات والقيام بواجبات المعاش ثم التفكر في آيات الآفاق والأنفس المؤدي إلى إيجاد الصناعات والفنون المستخدمة في الرقي في المدنية والحضارة، ومعرفة قدرها والشكر عليها. كل ذلك من طريق الوحي والنبوة.
وجه فساده: أنه إن أراد أن ما ذكره من الأصالة والتبعية هو مدلول الآية فمن الواضح أن الآية أجنبية عن الدلالة على ذلك، وإن أراد أن الآية تفيد أن النعم الدنيوية للمؤمنين ثم بينت مشاركة الكفار لهم فيها وأن ذلك بالأصالة والتبعية فقد عرفت أن الآية لا تدل إلا على إشتراك الطائفتين معا في النعم الدنيوية لا اختصاص المؤمنين بها في الدنيا فأين حديث الأصالة والتبعية؟.
بل ربما كان الظاهر من أمثال قوله: " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون - إلى أن قال - وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين " الزخرف: 35، خلاف ذلك وأن زهرة الحياة الدنيا أجدر أن يخصوا به.
وقد أمتن الله تعالى في ذيل الآية على أهل العلم بتفصيل البيان إذ قال: " كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ".
قوله تعالى: " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن " إلى آخر الآية، قد تقدم البحث المستوفي عن مفردات الآية فيما مر، وأن الفواحش هي المعاصي البالغة قبحا وشناعة كالزنا واللواط ونحوهما، والاثم هو الذنب الذي يستعقب انحطاط الانسان في حياته وذلة وهوانا وسقوطا كشرب الخمر الذي يستعقب للانسان تهلكة في جاهه وماله وعرضه ونفسه ونحو ذلك، والبغي هو طلب الانسان ما ليس له بحق كأنواع الظلم والتعدي على الناس والاستيلاء غير المشروع عليهم، ووصفه بغير الحق من قبيل التوصيف باللازم نظير التقييد الذي في قوله: " ما لم ينزل به سلطانا ".