بمثل ما في هذه الرواية في غيرها كرواية إبراهيم الليثي عن أبي جعفر عليه السلام وغيره، وقد وقع هذا المعنى في روايات أخرى واردة في تفسير آيات القدر، وهي روايات جمة مختلفة يشترك جميعها في الدلالة على أن آخر الخلقة يشاكل أولها، وعود الانسان يناظر بدءه، وأن المهتدي في آخر أمره مهتد من أول، وأن الضال كذلك ضال من أول والشقي شقي في بدء خلقته والسعيد سعيد فيه، والروايات على اختلاف بياناتها كالآيات ليست في مقام إثبات السعادة والشقاوة الذاتيتين بمعنى ما يقتضيه ذات الانسان ويلزم ماهيته كالزوجية للأربعة فإن ذلك مما لا ينبغي توهمه إذ لو رجع إلى مجرد التصوير العقلي من غير مطابقة للواقع الخارجي لم يستلزم أثرا حقيقيا لتأخر الوجود عن ماهيات الأشياء وعروضه لها في الذهن والخارج على خلافه، ولو رجع إلى اقتضاء ذاتي حقيقي تملك به الماهية الانسانية سعادتها أو شقاوتها بحيث لا يبقى لله سبحانه في خلقه إلا أن يظهر منها ما كان دفينا في ذاته كامنا في باطنها كان في ذلك إبطال لاطلاق ملك الله سبحانه وتحديد لسلطانه، والكتاب والسنة والعقل متعاضدة على نفيه.
على أن ذلك يوجب اختلال نظام العقل في جميع ما يبني عليه العقلاء في أمورهم واتفاقهم على توقع التأثير في باب التعليم والتربية، وتسالمهم على وجود ما يستتبع المدح والذم أو يتصف بالحسن والقبح يدفعه.
وكذا يوجب لغوية تشريع الشرائع وإنزال الكتب وإرسال الرسل، ولا معنى لاتمام الحجة في الذاتيات بأي معنى صورناها بعد ما كانت مستحيلة الانفكاك عن الذوات.
والكتاب الكريم يسلم نظام العقل ويصدق بناء الانسان بنيان أعماله في الحياة على الاختيار، ويبين فيما يبين أن الله سبحانه خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم أنبته نباتا حسنا حتى أنعم عليه بالبلوغ والعقل، يفعل باختياره ويميز بين الحسن والقبيح، والخير والشر، والنفع والضرر والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب بعقله، ثم أنعم عليه بتكاليف دينية فإن اتبع عقله وأطاع ربه فيما يأمره وينهاه كان سعيدا وجوزي أحسن الجزاء، وإن خالف عقله واتبع هواه وعصى ربه كان شقيا وذاق وبال أمره، والدار دار امتحان وابتلاء، والعمل اليوم والجزاء غدا.