تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٨١
الانسان في حياته من الرزق إلا بما يلائم طباع قواه وأدواته التي جهز بها ويساعده على بقاء تركيبه الذي ركب به، وما جهز بشئ ولا ركب من جزء إلا لحاجة له إليه فلو تعدى في شئ مما يلائم فطرته إلى ما لا يلائمها طبعا اضطر إلى تتميم النقص الوارد عليه في القوة المربوطة به إلى صرف شئ من سائر القوى فيه كالمنهوم الشره الذي يفرط في الاكل فيصيبه آفات الهضم. فيضطر إلى استعمال الأدوية المصلحة لجهاز الهضم والمشهية للمعدة ولا يزال يستعمل ويفرط حتى يعتاد بها فلا تؤثر فيه فيصير إنسانا عليلا تشغله العلة عن عامة واجبات الحياة، وأهمها الفكر السالم الحر وعلى هذا القياس.
والتعدي عن طيب الرزق يبدل الانسان إلى شئ آخر لا هو مخلوق لهذا العالم ولا هذا العالم مخلوق له وأي خير يرجى في إنسان يتوخى أن يعيش في ظرف غير ظرفه الذي أعده له الكون، ويسلك طريقا لم تهيئه له الفطرة، وينال غاية غير غايته وهو أن يتوسع بالتمتع بكل ما تزينه له الشهوة والشره، ويصوره له الخيال بآخر ما يقدر وأقصى ما يمكن.
والله سبحانه يذكر في هذه الآية أن هناك زينة أخرجها لعباده وأظهرها وبينها لهم من طريق الالهام الفطري، ولا تلهم الفطرة إلا بشئ قامت حاجة الانسان إليه بحسبها.
ولا دليل على إباحة عمل من الأعمال وسلوك طريق من الطرق أقوى من الحاجة إليه بحسب الوجود والطبيعة الذي يدل على أن الله سبحانه هو الرابط بين الانسان المحتاج وبين ما يحتاج إليه بما أودع في نفسه من القوى والأدوات الباعثة له إليه بحسب الخلقة والتكوين.
ثم يذكر بعطف الطيبات من الرزق على الزينة في حيز الاستفهام الانكاري أن هناك أقساما من الرزق طيبة ملائمة لطباع الانسان يشعر بطيبه من طريق قواه المودعة في وجوده، ولا يشعر بها ولا يتنبه لها إلا لقيام حاجته في الحياة إليها وإلى التصرف فيها تصرفا يستمد به لبقائه، ولا دليل على إباحة شئ من الأعمال أقوى من الحاجة الطبيعية والفقر التكويني إليه كما سمعت.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»
الفهرست