تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٧٤
فيفيد قوله: " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد " إذا انضم إليه قوله: " وادعوه مخلصين له الدين " وجوب الانقطاع للعبادة عن غيرها ولله سبحانه عن غيره كما عرفت ومن الغير الذي يجب الانقطاع عنه إلى الله سبحانه نفس العبادة، وإنما العبادة توجه لا متوجه إليها، والتوجه إليها يبطل معنى كونها عبادة وتوجها إلى الله فيجب إن لا يذكر الناسك في نسكه إلا ربه وينسى غيره.
وللمفسرين في معنى قوله: " وأقيموا وجوهكم " الخ، أقوال أخر منها: إن المعنى: توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة. ومنها: أن المعنى توجهوا في أقات السجود وهي أوقات الصلاة إلى الجهة التي أمركم الله بها وهي الكعبة. ومنها إذا أدركتم الصلاة في مسجد فصلوا ولا تقولوا حتى أرجع إلى مسجدي. ومنها: أن المعنى: اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمر فيها بالجماعة. ومنها: أن المعنى:
أخلصوا وجوهكم لله بالطاعة فلا تشركوا وثنا ولا غيره.
والوجوه المذكورة على علاتها وإباء الآية عنها لا تناسب الثلاثة الأول منها حال المسلمين في وقت نزول السورة وهي مكية ولم تكن الكعبة قبلة يومئذ، ولا كانت للمسلمين مساجد مختلفة متعددة، وآخر الوجوه وإن كان قريبا مما قدمناه إلا أنه ناقص في بيان الاخلاص المستفاد من الآية وما تضمنه انما هو معنى قوله تعالى: " وادعوه مخلصين له الدين " لا قوله: " وأقيموا " الخ، كما تقدم.
قوله تعالى: " كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " إلى آخر الآية. ظاهر السياق أن يكون قوله " فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة " حالا من فاعل " تعودون " ويكون هو الوجه المشترك الذي شبه فيه العود بالبدء، والمعنى تعودون فريقين كما بدأكم فريقين نظير قوله تعالى: " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة " الانعام: 94، والمعنى لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة فرادى.
فهذا هو الظاهر المستفاد من الكلام، وأما كون " فريقا هدى " الخ، حالا لا يعدو عامله، ووجه الشبه بين البدء والعود أمرا آخر غير مذكور ككونهم فرادى بدء وعودا أو كون الخلق الأول والثاني جميعا من تراب أو كون البعث مثل الانشاء في قدرة الله إلى غير ذلك مما احتملوه فوجوه بعيدة عن دلالة الآية، وأي فائدة في
(٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 ... » »»
الفهرست