وكان إلقاء الخطاب بإباحة الزينة وطيبات الرزق داعيا لنفس السامع إلى أن يحصل على ما حرمه الله فألقى الله سبحانه في هذه الآية جماع القول في ذلك، ولا يشذ عما ذكره شئ من المحرمات الدينية، وهي تنقسم بوجه إلى قسمين: ما يرجع إلى الافعال وهي الثلاثة الأول، وما يرجع إلى الأقوال والاعتقادات وهو الأخير ان، والقسم الأول منه ما يرجع إلى الناس وهو البغي بغير الحق، ومنه غيره وهو إما ذو قبح وشناعة فالفاحشة، وإما غيره فالاثم، والقسم الثاني إما شرك بالله أو افتراء على الله سبحانه.
قوله تعالى: " ولكل أمة أجل " إلى آخر الآية هي حقيقة مستخرجة من قوله تعالى في ذيل القصة: " قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " نظير الاحكام الاخر المستخرجة منها المذكورة سابقا، ومفاده أن الأمم والمجتمعات لها أعمار وآجال نظير ما للافراد من الاعمار والآجال.
وربما استفيد من هذا التفريع والاستخراج أن قوله تعالى في ذيل القصة سابقا:
" قال فيها تحيون " الخ، راجع إلى حياة كل فرد فرد وكل أمة أمة، وهي بعض عمر الانسانية العامة، وأن قوله قبله: " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " راجع إلى حياة النوع إلى حين وهو حين الانقراض أو البعث، وهذا هو عمر الانسانية العامة في الدنيا.
قوله تعالى: " يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي " إلى آخر الآيتين. " إما " أصله إن الشرطية دخلت على ما، وفي شرطها النون الثقيلة، وكأن ذلك يفيد أن الشرط محقق لا محالة، والمراد بقص الآيات بيانها وتفصيلها لما فيه من معنى القطع والإبانة عن مكمن الخفاء.
والآية إحدى الخطابات العامة المستخرجة من قصة الجنة المذكورة هيهنا وهي رابعها وآخرها يبين للناس التشريع الإلهي العام للدين باتباع الرسالة وطريق الوحي، والأصل المستخرج عنه هو مثل قوله في سورة طه: " قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى " الخ، فبين أن اتيان الهدى منه إنما يكون بطريق الرسالة.