تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٨٠
هذا من استخراج حكم خاص - بهذه الأمة - من الحكم العام السابق عليه بنوع من الالتفات نظير ما تقدم في قوله: " ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " وقوله " فإذا فعلوا فاحشة " الآية.
والاستفهام انكاري، والزين يقابل الشين وهو ما يعاب به الانسان فالزينة ما يرتفع به العيب ويذهب بنفرة النفوس، والاخراج كناية عن الاظهار واستعارة تخييلية كأن الله سبحانه بإلهامه وهدايته الانسان من طريق الفطرة إلى إيجاد أنواع الزينة التي يستحسنها مجتمعه ويستدعي انجذاب نفوسهم إليه وارتفاع نفرتهم واشمئزازهم عنه يخرج لهم الزينة وقد كانت مخبية خفية فأظهرها لحواسهم.
ولو كان الانسان يعيش في الدنيا وحده في غير مجتمع من أمثاله لم يحتج إلى زينة يتزين بها قط ولا تنبه للزوم إيجادها لان ملاك التنبه هو الحاجة. لكنه لما لم يسعه إلا الحياة في مجتمع من الافراد وهم يعيشون بالإرادة والكراهة والحب والبغض والرضى والسخط فلا محيص لهم من العثور على ما يستحسنونه وما يستقبحونه من الهيئات والأزياء فيلهمهم المعلم الغيبي من وراء فطرتهم بما يصلح ما فسد منهم ويزين ما يشين منهم وهو الزينة بأقسامها، ولعل هذا هو النكتة في خصوص التعبير بقوله لعباده.
وهذه المسماة بالزينة من أهم ما يعتمد عليه الاجتماع الانساني وهي من الآداب العريقة التي تلازم المجتمعات وتترقى وتتنزل على حسب تقدم المدنية والحضارة ولو فرض ارتفاعها من أصلها في مجتمع من المجتمعات انهدم الاجتماع وتلاشت أجزاءه من حينه لان معنى بطلانها ارتفاع الحسن والقبح والحب والبغض والإرادة والكراهة وأمثالها من بينهم، ولا مصداق للاجتماع الانساني عندئذ فافهم ذلك.
ثم الطيبات من الرزق - والطيب هو الملائم للطبع - هي الأنواع المختلفة مما يرتزق به الانسان بالتغذي منه، أو مطلق ما يستمد به في حياته وبقائه كأنواع المطعم والمشرب والمنكح والمسكن ونحوها، وقد جهز الله سبحانه الانسان بما يحس بحاجته إلى أقسام الرزق ويستدعي تناولها بأنواع من الشهوات الهائجة في باطنه إلى ما يلائمها مما يرفع حاجته وهذا هو الطيب والملائمة الطبيعية.
وابتناء حياة الانسان السعيدة على طيبات الرزق غني عن البيان فلا يسعد
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»
الفهرست