تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٧٧
خاسرين " حم السجدة: 25.
وأما قوله: " ويحسبون أنهم مهتدون " فهو كعطف التفسير بالنسبة إلى الجملة السابقة يفسر به معنى تحقق الضلالة ولزومها فإن الانسان مهما ركب غير طريق الحق واعتنق الباطل وهو يعترف بأنه من الباطل ولما ينس الحق أو شك أن يعود إلى الحق الذي فارقه وكان مرجوا أن ينتزع عن ضلاله إلى الهدى أما إذا اعتقد حقية الباطل الذي هو عليه، وحسب أنه على الهدى وهو في ضلال فقد استقر فيه شيمة الغي وحقت عليه الضلالة ولا يرجى معه فلاح أبدا.
فقوله: " ويحسبون أنهم مهتدون " كالتفسير لتحقق الضلالة لكونه من لوازمه، وقد قال تعالى في موضع آخر: " قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " الكهف: 104، وقال تعالى: إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة " البقرة: 7.
وإنه الانسان يسير على الفطرة ويعيش على الخلقة لا ينقاد إلا للحق ولا يخضع إلا للصدق ولا يريد إلا ما فيه خيره وسعادته غير أنه إذا شمله التوفيق وكان على الهدى طبق ما يطلبه ويقصده على حقيقة مصداقه ولم يعبد إلا الله وهو الحق الذي يطلبه ولم يرد إلا الحياة الدائمة الخالدة وهي السعادة التي يقصدها، وإذا ضل عن الصراط انتكس وجهه من الحق إلى الباطل ومن الخير إلى الشر ومن السعادة إلى الشقاء فيتخذ إلهه هواه، ويعبد الشيطان، ويخضع للأوثان، وأخلد إلى الأرض، وتعلق بالزخارف المادية الدنيوية وتبصر إليها لكنه إنما يعمل ما يعمل بإذعان أنه هكذا ينبغي أن يعمل وحسبان أنه مهتد في عمله فيأخذ بالباطل بعنوان أنه حق، ويركن إلى الشر أو الشقاء بعنوان أنه خير وسعادة فالادراك الفطري محفوظ له غير أنه يطبقه في مقام العمل على غير مصداقه. قال تعالى: " يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها " النساء: 47، وأما إنسان يتبع الباطل بما هو باطل، ويقصد الشقاء والخسران بما هو شقاء وخسران فمن المحال ذلك. قال تعالى " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " الروم: 30
(٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 ... » »»
الفهرست