تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٧٦
ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " الخ، طه: 124 وهو عمى الضلال.
وبعد ذلك كله فمن الممكن أن يكون قوله: " كما بدأكم تعودون " الخ، في مقام التعليل لمضمون الكلام السابق والمعنى: اقسطوا في أعمالكم وأخلصوا لله سبحانه فإن الله سبحانه إذ بدأ خلقكم قضى فيكم أن تتفرقوا فريقين فريقا يهديهم وفريقا يضلون عن الطريق وستعودون إليه كما بدأكم فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة بتولى الشياطين فأقسطوا وأخلصوا حتى تكونوا من المهتدين بهداية الله لا الضالين بولاية الشياطين.
فيكون الكلام جاريا مجرى قوله تعالى: " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " البقرة: 148 فإنه في عين أنه بين أولا أن لكل وجهة خاصة محتومة هو موليها لا يتخلف عنه إن سعادة فسعادة وإن شقاوة فشقاوة أمرهم ثانيا أن استبقوا الخيرات، ولا يستقيم الامر مع تحتم إحدى المنزلتين:
السعادة والشقاوة لكن الكلام في معنى قولنا: إن كلا منكم لا محيص له عن وجهة متعينة في حقه لازمة له إما الجنة وإما النار فاستبقوا الخيرات حتى تكونوا من أهل وجهة السعادة دون غيرها.
وكذلك الامر فيما نحن فيه فالكلام في معنى قولنا: إنكم ستعودون فريقين كما بدأكم فريقين بقضائه فأقسطوا في أعمالكم وأخلصوا لله سبحانه حتى تكونوا من الفريق الذي هدى دون الفريق الذي حق عليهم الضلالة.
ومن الممكن أن يكون قوله: " كما بدأكم " الخ، كلاما مستأنفا وهو مع ذلك لا يخلو عن تلويح بالدعوة إلى الأقساط والاخلاص على ما يتبادر من السياق.
وأما قوله: " إنهم اتخذوا الشياطين أولياء " فهو تعليل لثبوت الضلالة ولزومها لهم في قوله: " حقت عليهم الضلالة " كأن كلمة الضلال والخسران صدرت من مصدر القضاء في حقهم مشروطا بولاية الشيطان كما يذكره في قوله: " كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله " الحج: 4.
فلما تولوا الشياطين في الدنيا حقت عليهم الضلالة ولزمتهم لزوما لا إنفكاك بعده أبدا وهذا نظير ما يستفاد من قوله: " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»
الفهرست