بسلوك طريق فلازمه بطلان الحركات الوجودية وانتقاء المادة والقوة وجميع شؤون الامكان والموجود المخلوق الذي هذا شأنه مجرد في بدء وجوده تام كامل سعيد في أصل نشأته، وليس هو الانسان المخلوق من الأرض الناقص أولا المستكمل تدريجيا ففي الفرض خلف.
وأما الشبهة الثالثة فقوله " هب إنه كلفني بمعرفته وطاعته فلماذا كلفني بالسجود لآدم؟ " فجوابه ظاهر فإن هذا التكليف يتم بالايتمار به صفة العبودية لله سبحانه، ويظهر بالتمرد عنه صفة الاستكبار ففيه على أي حال تكميل من الله واستكمال من إبليس إما في جانب السعادة وإما في جانب الشقاوة، وقد اختار الثاني.
على أن تكليفه وتكليف الملائكة بالسجدة تعيينا للخط الذي خط لآدم فإن الصراط المستقيم الذي قدر لآدم وذريته أن يسلكوه لا يتم أمره إلا بمسدد معين يدعو الانسان إلى هداه وهو الملائكة، وعدو مضل يدعوه إلى الانحراف عنه والغواية فيه وهو إبليس وجنوده كما عرفت فيما تقدم من الكلام.
وأما الشبهة الرابعة: فقوله " لما ذا لعنني وأوجب عقابي بعد المعصية ولا فائدة له فيه؟ الخ. " جوابه أن اللعن والعقاب أعني ما يشتملان عليه من الحقيقة من لوازم الاستكبار على الله الذي هو الأصل المولد لكل معصية، وليس الفعل الإلهي مما يجر إليه نفعا أو فائدة حتى يمتنع فيما لا نفع فيه يعود إليه كما تقدمت الإشارة إليه.
وليس قوله هذا إلا كقول من يقول فيمن استقى سما وشربه فهلك به: لم لم يجعله الله شفاء وليس له في إماتته به نفع وله فيه أعظم الضرر؟ هلا جعله رزقا طيبا للمسموم يرفع عطشه وينمو به بدنه؟ فهذا كله من الجهل بمواقع العلل والأسباب التي أثبتها الله في عالم الصنع والايجاد فكل حادث من حوادث الكون يرتبط إلى علل وعوامل خاصة من غير تخلف واختلاف قانونا كليا.
فالمعصية إنما تستتبع العقاب على النفس المتقذرة بها إلا أن تتطهر بشفاعة أو توبة أو حسنة تستدعي المغفرة، وإبطال العقاب من غير وجود شئ من أسبابه هدم لقانون العلية العام، وفي انهدامه انهدام كل شئ.