تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٤٧
وهي مع ذلك لا تنال الكمال إلا بنوعيته، وأما الافراد و الاشخاص فكثير منها تبطل دون البلوغ إلى الكمال، وتفسد في طريق الاستكمال بعمل العلل والأسباب المخالفة لأنها محفوفة بها ولا بد لها من العمل فيها جريا على مقتضى عليتها وسببيتها.
ولو فرض شئ من هذه الأنواع غير متأثر من شئ من العوامل المخالفة كالنبات مثلا غير متأثر من حرارة وبرودة ونور وظلمة ورطوبة ويبوسة والسمومات والمواد الأرضية المنافية لتركيبه كان في هذا الفرض إبطال تركيبه الخاص أولا، وإبطال العلل والأسباب ثانيا، وفيه إبطال نظام الكون فافهم ذلك.
ولا ضير في بطلان مساعي بعض الافراد أو التركيبات إذا أدى ذلك إلى فوز بعض آخر بالكمال والغاية الشريفة المقصودة التي هي كمال النوع وغايته فإن الخلقة المادية لا تسع أزيد من ذلك، وصرف الكثير من المادة الخسيسة التي لا قيمة لها في تحصيل القليل من الجوهر الشريف العالي استرباح حقيقي بلا تبذير أو جزاف.
فالعلة الموجبة لوجود النوع الانساني لا تريد بفعلها إلا الانسان الكامل السائر إلى أوج السعادة في دنياه وآخرته إلا أن الانسان لا يوجد إلا بتركيب مادي، وهذا التركيب لا يوجد إلا إذا وقع تحت هذا النظام المادي المنبسط على هذه الاجزاء الموجودة في العالم المرتبطة بعضها ببعض المتفاعلة فيما بينها جميعا بتأثيراتها وتأثراتها المختلفة، ولازم ذلك سقوط بعض أفراد الانسان دون الوصول إلى كمال الانسانية فعلة وجود الانسان تريد السعادة الانسانية أولا وبالذات، وأما سقوط بعض الافراد فإنما هو مقصود ثانيا وبالعرض ليس بالقصد الاولي.
فخلقه تعالى الانسان حكمته بلوغ الانسان إلى غايته الكمالية، وأما علمه بأن كثيرين من أفراده يكونون كفارا مصيرهم إلى النار لا يوجب أن يختل مراده من خلقه النوع الانساني، ولا أنه يوجب أن يكون خلقه الانسان الذي سيكون كافرا علة تامة لكفره أو لصيرورته إلى النار، كيف؟ وعلة كفره التامة بعد وجوده علل وعوامل خارجية كثيرة جدا، وآخرها اختياره الذي لا يدع الفعل ينتسب إلا إليه فالعلة التي أوجدت وجوده لم توجد إلا جزء من أجزائه علة كفره، وأما تعلق القضاء الإلهي
(٤٧)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»
الفهرست