تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٨ - الصفحة ٦١
بالتوفيق فجاءه إبليس فقال له: إنكما إن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين وبقيتما في الجنة أبدا، وإن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنة، وحلف لهما أنه لهما ناصح كما قال الله عز وجل حكاية عنه: " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين " فقبل آدم قوله فأكلا من الشجرة فكان كما حكى الله: " بدت لهما سوآتهما " وسقط عنهما ما ألبسهما الله تعالى من لباس الجنة، وأقبلا يستتران من ورق الجنة وناداهما ربهما أ لم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين فقالا كما حكى الله عنهما: " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فقال الله لهما: " اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " قال إلى يوم القيامة.
وفي الكافي عن علي بن إبراهيم روى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما خرج آدم من الجنة نزل عليه جبرئيل فقال: يا آدم أليس خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وزوجك حواء أمته، وأسكنك الجنة وأباحها لك ونهاك مشافهة أن تأكل من هذه الشجرة فأكلت منها وعصيت الله؟ فقال آدم: يا جبرئيل إن إبليس حلف لي بالله إنه لي ناصح فما ظننت أن أحدا من خلق الله يحلف بالله كاذبا.
أقول: وقد تقدمت عدة من روايات القصة في سورة البقرة وسيأتي إن شاء الله بعضها في مواضع أخر مناسبة لها.
وفي تفسير القمي عن الصادق عليه السلام في حديث: فقال إبليس: يا رب فكيف وأنت العدل الذي لا يجور فثواب عملي بطل؟ قال: لا، ولكن سلني من أمر الدنيا ما شئت ثوابا لعملك أعطك. فأول ما سأل: البقاء إلى يوم الدين فقال الله: وقد أعطيتك. قال: سلطني على ولد آدم. قال: سلطتك. قال: أجرني فيهم مجرى الدم في العروق. قال: قد أجريتك. قال: لا يولد لهم ولد إلا ولد لي اثنان و أراهم ولا يروني وأتصور لهم في كل صورة شئت. فقال: قد أعطيتك. قال: يا رب زدني.
قال قد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطانا. قال: رب حسبي.
قال إبليس عند ذلك: فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين.
أقول: تقدم ما يتضح به معنى الحديث، وقوله: " أتصور لهم في كل صورة
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست