وأما الشبهة الخامسة: أعني قوله " إنه لما فعل ذلك لم سلطني على أولاده ومكنني من إغوائهم وإضلالهم؟ " فقد ظهر جوابه مما تقدم فإن الهدى والحق العملي والطاعة وأمثالها إنما تتحقق مع تحقق الضلال والباطل والمعصية وأمثالها، والدعوة إلى الحق إنما تتم إذا كان هناك دعوة إلى باطل، والصراط المستقيم إنما يكون صراطا لو كان هناك سبل غير مستقيمة تسلك بسالكها إلى غاية غير غايته.
فمن الضروري أن يكون هناك داع إلى الباطل يهدي إلى عذاب السعير ما دامت النشأة الانسانية قائمة على ساقها والانسانية محفوظة ببقائها النوعي بتعاقب أفرادها فوجود إبليس من خدم النوع الانساني ولم يمكنه الله منهم ولا سلطه عليهم إلا بمقدار الدعوة كما صرح (1) به القرآن الكريم وحكاه (2) عنه نفسه فيما يخاطب به الناس يوم القيامة.
وأما الشبهة السادسة: فإما قوله " لما استمهلته المدة الطويلة في ذلك فلم أمهلني؟ " فقد ظهر جوابه مما تقدم آنفا.
وأما قوله: " ومعلوم أن العالم لو كان خاليا من الشر لكان ذلك خيرا " فقد عرفت أن معنى كون العالم خاليا من الشر مأمونا من الفساد كونه مجردا غير مادي، ولا معنى محصل لعالم مادي يوجد فيه الفعل من غير قوة والخير من غير شر والنفع من غير ضر والثبات من غير تغير والطاعة من غير معصية والثواب من غير عقاب.
وأما ما ذكره من جوابه تعالى عن شبهات إبليس بقوله: " يا إبليس أنت ما عرفتني ولو عرفتني لعلمت أنه لا اعتراض علي في شئ من أفعالي فإني أنا الله الذي لا إله إلا أنا لا أسأل عما أفعل " فجواب يوافق ما في التنزيل الكريم، قال تعالى: " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " الأنبياء: 23.
وظاهر المنقول من قوله تعالى أنه جواب إجمالي عن شبهاته لعنه الله لا جواب تفصيلي عن كل واحد واحد، ومحصله: أن هذه الشبهات جميعا سؤال واعتراض عليه