الحافة به فلولا الطرف لم يكن وسط فافهم ذلك وتذكر قوله تعالى: " قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم " الأعراف: 16، وقوله: " قال: هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " الحجر: 42.
إذا تأملت في هاتين الجهتين ثم تدبرت آيات قصة السجدة ه وجدتها صورة منبئة عن الروابط الواقعية التي بين النوع الانساني والملائكة وإبليس عبر عنها بالامر والامتثال والاستكبار والطرد والرجم والسؤال والجواب، وأن جميع الاشكالات الموردة فيها ناشئة من التفريط في تدبر القصة حتى أن بعض (1) من تنبه لوجه الصواب وأنها تشير إلى ما عليه طبائع الانسان والملك والشيطان ذكر أن الأمر والنهي - يريد أمر إبليس بالسجدة ونهي آدم عن أكل الشجرة - تكوينيان فأفسد بذلك ما قد كان أصلحه، وذهل عن أن الأمر والنهي التكوينيين لا يقبلان التخلف والمخالفة، وقد خالف إبليس الامر وخالف آدم النهي.
الثالثة: أن قصة الجنة مدلولها - على ما تقدم تفصيل القول فيها في سورة البقرة - ينبئ عن أن الله سبحانه خلق جنة برزخية سماوية، وأدخل آدم فيها قبل أن يستقر عليه الحياة الأرضية، ويغشاه التكليف المولوي ليختبي بذلك الطباع الانساني فيظهر به أن الانسان لا يسعه إلا أن يعيش على الأرض، ويتربى في حجر الأمر والنهي فيستحق السعادة والجنة بالطاعة، وأن كان دون ذلك فدون ذلك، ولا يستطيع الانسان أن يقف في موقف القرب وينزل في منزل السعادة إلا بقطع هذا الطريق.
وبذلك ينكشف أن لا شئ من الاشكالات التي أوردوها في قصة الجنة فلا الجنة كانت جنة الخلد التي لا يدخلها إلا ولي من أولياء الله تعالى دخولا لا خروج بعده إبدا، ولا الدار كانت دارا دنيوية يعاش فيها عيشة دنيوية يديرها التشريع ويحكم فيها الأمر والنهي المولويان بل كانت دارا يظهر فيها حكم السجية الانسانية لا سجية آدم عليه السلام بما هو شخص آدم إذ لم يؤمر بالسجدة له ولا أدخل الجنة إلا لأنه إنسان كما تقدم بيانه.