ضروري لها وهو أن يتنعم بها كل مستحق على حسب استعداده واستحقاقه، واختلاف المستحقين في النيل بحسب اختلاف استحقاقهم أمر عائد إليهم لا إلى الملكة التي هي مبدء الخير.
وأما حديث الحكمة في الخلق والايجاد بمعنى الغاية وجهة الخير المقصودة للفاعل في فعله فإنما يحكم العقل بوجوب الغاية الزائدة على الفاعل في الفاعل الناقص الذي يستكمل بفعله ويكتسب به تماما وكمالا، وأما الفاعل الذي عنده كل خير وكمال فغايته نفس ذاته من غير حاجة إلى غاية زائدة كما عرفت في مثال ملكة الجود، نعم يترتب على فعله فوائد ومنافع كثيرة لا تحصى ونعم إلهية لا تنقطع وهي غير مقصودة إلا ثانيا وبالعرض، هذا في أصل الايجاد.
وإن كان السؤال عن الحكمة في خلق الانسان كما يشعر به قوله بعد: لا سيما وقد كان عالما أن الكافر لا يستوجب عند خلقه إلا النار فالحكمة بمعنى غاية الفاعل والفائدة العائدة إليه غير موجودة لما عرفت أنه تعالى غني بذاته لا يفتقر إلى شئ مما سواه حتى يتم أو يكمل به، وأما الحكمة بمعنى الغاية الكمالية التي ينتمي إليها الفعل وتحرز فائدته فهو أن يخلق من المادة الأرضية الخسيسة تركيب خاص ينتهي بسلوكه في مسلك الكمال إلى جوهر علوي شريف كريم يفوق بكمال وجوده كل موجود سواه، ويتقرب إلى ربه تقربا كماليا لا يناله شئ غيره فهذه غاية النوعية الانسانية.
غير أن من المعلوم أن مركبا أرضيا مؤلفا من الأضداد واقعا في عالم التزاحم والتنافي محفوفا بعلل وأسباب موافقة ومخالفة لا ينجو منها بكله، ولا يخلص من إفسادها بآثارها المنافية جميع أفراده فلا محالة لا يفوز بالسعادة المطلوبة منه إلا بعض أفراده، ولا ينجح في سلوكه نحو الكمال إلا شطر من مصاديقه لا جميعها.
وليست هذه الخصيصة أعني فوز البعض بالكمال والسعادة وحرمان البعض مما يختص به الانسان بل جميع الأنواع المتعلقة الوجود بالمادة الموجودة في هذه النشأة كأنواع الحيوان والنبات وجميع التركيبات المعدنية وغيرها كذلك فشئ من هذه الأنواع الموجودة - وهي ألوف وألوف - لا يخلو عن غاية نوعية هي كمال وجوده،