تعالى: ولا يتوجه إليه اعتراض لأنه الله لا إله إلا هو لا يسأل عما يفعل.
وظاهر قوله تعالى أن قوله " لا يسأل " متفرع على قوله: " فإني " الخ، فمفاد الكلام أن الله تعالى لما كان بإنيته الثابتة بذاته الغنية لذاته هو الاله المبدئ المعيد الذي يبتدئ منه كل شئ وينتهي إليه كل شئ فلا يتعلق في فعل يفعله بسبب فاعلي آخر دونه، ولا يحكم عليه سبب غائي آخر يبعثه نحو الفعل بل هو الفاعل فوق كل فاعل، والغاية وراء كل غاية فكل فاعل يفعل بقوة فيه وإن القوة لله جميعا، وكل غاية إنما تقصد وتطلب لكمال ما فيه وخير ما عنده وبيده الخير كله.
ويتفرع عليه أنه تعالى لا يسأل في فعله عن السبب فإن سبب الفعل إما فاعل وإما غاية وهو فاعل كل فاعل وغاية كل غاية، وأما غيره تعالى فلما كان ما عنده من قوة الفعل موهوبا له من عند الله، وما يكتسبه من جهة الخير والمصلحة بإفاضة منه تعالى بتسبيب الأسباب وتنظيم العوامل والشرائط فإنه مسؤول عن فعله لم فعله؟
وأكثر ما يسأل عنه إنما هو الغاية وجهة الخير والمصلحة، وخاصة في الافعال التي يجري فيه الحسن والقبح والمدح والذم من الافعال الاجتماعية في ظرف الاجتماع فإنها المتكئة على مصالحه، فهذا بيان تام يتوافق فيه البرهان والوحي.
وأما المتكلمون فإنهم بما لهم من الاختلاف العميق في مسألة: أن أفعال الله هل تعلل بالاغراض؟ وما يرتبط بها من المسائل اختلفوا في تفسير أن الله لا يسأل عن فعله فالأشاعرة لتجويزهم الإرادة الجزافية واستناد الشرور والقبائح إليه تعالى ذكروا أن له أن يفعل ما يشاء من غير لزوم أن يشتمل فعله على غرض فتنطبق عليه مصلحة محسنة وليس للعقل أن يحكم عليه كما يحكم على غيره بوجوب اشتمال فعله على غرض وهو ترتب مصلحة محسنة على الفعل.
والمعتزلة يحيلون الفعل غير المشتمل على غرض وغاية لاستلزامه اللغو والجزاف المنفي عنه تعالى فيفسرون عدم كونه تعالى مسؤولا في فعله بأنه حكيم والحكيم هو الذي يعطي كل ذي حق حقه فلا يفعل قبيحا ولا لغوا ولا جزافا، والذي يسأل عن فعله هو من يمكن في حقه إتيان القبيح واللغو والجزاف فهو تعالى غير مسؤول عما يفعل وهم يسألون.