قال شارح الأناجيل: فأوحى الله تعالى إليه من سرادق العظمة والكبرياء: يا إبليس أنت ما عرفتني، ولو عرفتني لعلمت أنه لا اعتراض علي في شئ من أفعالي فإني أنا الله لا إله إلا أنا لا أسال عما أفعل، (انتهى).
ثم قال الآلوسي: قال الامام - الرازي - إنه لو اجتمع الأولون والآخرون من الخلائق وحكموا بتحسين العقل وتقبيحه لم يجدوا من هذه الشبهات مخلصا، وكان الكل لازما.
ثم قال الآلوسي: ويعجبني ما يحكى أن سيف الدولة بن حمدان خرج يوما على جماعته فقال: قد عملت بيتا ما أحسب أن أحدا يعمل له ثانيا إلا أن كان أبا فراس وكان أبو فراس جالسا، فقيل له: ما هو فقال: قولي:
لك جسمي تعله * فدمي لن تطله فابتدر أبو فراس قائلا:
قال إن كنت مالكا * فلي الامر كله. انتهى أقول: ما مر من البيان في أول الكلام السابق يصلح لدفع هذه الشبهات الستة عن آخرها ويكفي مؤنتها من غير أن يحتاج إلى اجتماع الأولين والآخرين ثم لا ينفعهم اجتماعهم على ما ادعاه الامام فليست بذاك الذي يحسب، ولتوضيح الامر نقول:
أما الشبهة الأولى: فالمراد بالحكمة - وهي جهة الخير والصلاح الذي يدعو الفاعل إلى الفعل في الخلق إما الحكمة في مطلق الخلق وهو ما سوى الله سبحانه من العالم، وإما الحكمة في خلق الانسان خاصة.
فإن كان سؤالا عن الحكمة في مطلق الخلق والايجاد فمن المبرهن عليه أنه فاعل تام لمجموع ما سواه غير مفتقر في ذلك إلى متمم يتمم فاعليته ويصلح له ألوهيته فهو مبدء لما سواه منبع لكل خير ورحمة بذاته، واقتضاء المبدء لما هو مبدء له ضروري، والسؤال عن الضروري لغو كما أن ملكة الجود تقتضي بذاتها أن ينتشر أثرها وتظهر بركاتها لا لاستدعاء أمر آخر وراء نفسها يوجب لها ظهور الأثر وإلا لم تكن ملكة، فظهور أثرها