حتى يتوجه إليه حكم موصل إليه بخلاف الانسان بل لأنه تعالى شرع الشرائع وسن السنن ثم عاملنا معاملة العزيز المقتدر الذي نقوم له بالعبودية وترجع إليه حياتنا ومماتنا ورزقنا وتدبير أمورنا ودساتير أعمالنا وحساب أفعالنا والجزاء على حسناتنا وسيئاتنا فلا يوجه إلينا حكما إلا بحجة، ولا يقبل منا معذرة إلا بحجة، ولا يجزينا جزاء إلا بحجة كما قال: " لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " النساء: 165، وقال:
" ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينه " الأنفال: 42 إلى غير ذلك من احتجاجاته يوم القيامة على الإنس والجن. ولازم ذلك أن يجري في أفعاله تعالى في نظر العقل العملي ما يجري في أفعال غيره بحسب السنن التي سنها.
وعلى ذلك جرى كلامه سبحانه قال: " إن الله لا يظلم الناس شيئا " يونس: 44، وقال: " إن الله لا يخلف الميعاد " آل عمران: 9، وقال: " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين " الدخان: 38، وفي هذا المعنى الآيات الكثير التي نفى فيها عن نفسه الرذائل الاجتماعية.
وفي ما تقدم من معنى جريان حكم العقل النظري والعملي في ناحيته تعالى آيات كثيرة ففي القسم الأول كقوله تعالى: " الحق من ربك فلا تكن من الممترين " آل عمران: 60 ولم يقل: الحق مع ربك لان القضايا الحقة والاحكام الواقعية مأخوذة من فعله لا متبوعة له في عمله حتى يتأيد بها مثلنا، وقوله: " والله يحكم لا معقب لحكمه " الرعد: 41، فله الحكم المطلق من غير أن يمنعه مانع عقلي أو غيره فإن الموانع والمعقبات إنما تتحقق بفعله وهي متأخرة عنه لا حاكمة أو مؤثرة فيه، وقوله: " وهو الواحد القهار " الرعد: 16، وقوله: " والله غالب على أمره " يوسف: 21، وقوله: " إن الله بالغ إمره " الطلاق: 3، فهو القاهر الغالب البالغ الذي لا يقهره شئ ولا يغلب عن شئ ولا يحول بينه وبين أمره حائل يزاحمه، وقوله: " ألا له الخلق والامر " الأعراف:
54، إلى غير ذلك من الآيات المطلقة التي ليس دونها مقيد.
نعم يجري في أفعاله الحكم العقلي لتشخيص الخصوصيات وكشف المجهولات لا لان يكون متبوعا بل لأنه تابع لازم مأخوذ من سنته في فعله الذي هو نفس الواقع الخارج، ويدل على ذلك جميع الآيات التي تحيل الناس إلى التعقل والتذكر والتفكر